لدينا أسئلة هامة بشأن أنشطة الإتحاد القبطي العالمي ، أولها :
هل الأقباط - علي مدار تاريخهم مع المسلمين - يستعينون بجناح متشدد منهم يحققون به أهدافهم ، وفي نفس الوقت يزعمون أنهم يرفضون هذا التيار المتشدد ، ويوجهون له الإنتقادات ، وهو في حقيقة الأمر الذراع الأيمن لهم الذي لم يفرطوا فيه عل مر تاريخهم مع إخوانهم المسلمين ؟
أعتقد أن إجابة هذا السؤال مرت علينا فيما عرضناه من المؤتمرات القبطية الدولية ، وأنهم بالفعل يجعلون الإستعانة بالمتشددين أحد أعمدة التحرك في أنشطتهم ، مثل فكرة أقباط المهجر الذين لا يتورعون عن عمل أي شيئ يمكن أن يفيدهم في الضغط علي الدولة كاللجوء إلي حكومات الدول ، والمنظمات الدولية ، والإساءة للدولة و للمسلمين والتشنيع به ، والإدعاء في كل مكان بأن مصر ساحة للإضطهاد الديني ، وخطف المسيحيات وفرض الإسلام عليهن ، إلي آخر هذه الإدعاءات التي نعيشها منذ زمن بعيد .
أما السؤال الثاني :
هل أقباط مصر يظهرون للمسلمين المودة والتسامح فإذا ما وجدوا من يعينهم عليهم ، خلعوا وجه التسامح ، وأظهروا وجها عدائيا يستبيحون فيه الحرب عليهم والتخلص منهم والقضاءعليهم ؟
لعل السؤال سالف الذكر هو محاولة لفهم موقف الأقباط من الإنقلاب العسكري في مصر ، حيث شاركوا في تخطيطه ، وظهروا فيه علانية منذ اللحظة الأولي ، بتمثيل أعلي رأس مسيحية في مصر ، ثم تجولوا في العالم كله ، وحركوا مسيحيي مصر في كل دول العالم لعقد المؤتمرات والتنقل والزيارات لكل الجهات الحكومية وغير الحكومية الفاعلة لمطالبتهم بمساندة الإنقلاب الدموي الذي يُقتل فيه أبناء مصر المسلمون علي نحو لم يسبق له مثيل ، مستغلين في ذلك التعاطف الديني للغرب معهم بحكم وحدة الدين ووحدة المصالح .
أولا : الأقباط ودعم الإحتلال الفرنسي .
أعتقد أن دور المعلم يعقوب القبطي في مساندة الحملة الفرنسية يمكن أن يؤكد لنا الأمرين ، الأول أن الأقباط يستعينون بعناصر متشددة منهم ، ويقفون معها من وراء الكواليس ، والثاني أن الأقباط يظهرون لإخوانهم المسلمين المودة والتسامح ، فإذا وجدوا فرصة عليهم ليتمكنوا منهم ويتحكموا فيهم فإنهم لا يفوتونها بحال من الأحوال
سوف نعرض بحثا للدكتور/ راغب السرجاني عن شخصية المعلم يعقوب القبطي استعان فيه بأهم مرجع تاريخي عن حقبة الحملة الفرنسية علي مصر وهو عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي ، والذي يسميه البعض " تاريخ الجبرتي " ، كما استعان بكتاب " المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة " للدكتور/ أحمد حسن الصاوي ، وكتاب شفيق غربال " الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة 1801 " .
كتب الدكتور راغب السرجاني مقالا بعنوان " المعلم يعقوب الخائن العميل " يقول فيه :
ولد يعقوب حنا في ملوي بصعيد مصر سنة 1745م تقريبًا ، وهو ينتمي إلى أسرة قبطية متوسطة الحال ، وقد تلقى في طفولته مبادئ القراءة والكتابة والحساب وحفظ بعض النصوص الدينية المسيحية ، وذلك في أحد الكتاتيب القبطية التي كانت منتشرة بصعيد مصر آنذاك.
وشأن كثير من الأقباط احترف يعقوب منذ صباه الباكر حرفة "الكتابة" وتحصيل الأموال وضبط الحسابات ، ومن هنا اتصلت أسبابه بالأغنياء وأهل اليسار، وانتهى أمره إلى العمل مع واحد من كبار أثرياء المماليك ، وهو سليمان بك أغا.
ومن خلال العمل في هذا المجال استطاع يعقوب أن يكتسب خبرة واسعة بالشئون المالية الإدارية ومعرفة عميقة بحياة عموم المصريين وأوضاعهم ، كما تمكَّن من جمع ثروة طائلة أورثته شيئًا غير قليل من الغرور والكبرياء ، فكان حريصًا على أن يبدو مختلفًا عن الآخرين من بني جلدته وأبناء طائفته ، مولعًا بالخروج على مألوف عاداتهم وما درجوا عليه ، فكان يخالفهم في الزيّ والهيئة وأسلوب الكلام وطريقة الحياة ، حتى إنه اتخذ امرأة سورية من غير جنسه يتسرى بها بطريقة غير شرعية .
ومن مظاهر اختلاف يعقوب عن سائر الأقباط : إتقانه بعض مهارات الفروسية وفنونها ، وقد اشتهر عنه نزوع إلى القتال والنزال . ومن ذلك أنه حارب بالفعل في صفِّ المماليك ضد قوات القبطان حسن باشا ، التي أرادت تثبيت الحكم العثماني في مصر قُبيل الغزو الفرنسي بقليل .
المعلم يعقوب ونابليون بونابرت:
كان "المعلم يعقوب" حين وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر معدودًا من أثرياء القبط وزعمائهم المبرزين ، سواء في أقاليم الصعيد أو في القاهرة.
وكان الفرنسيون منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدامهم مصر بحاجة إلى مساعدة الأقباط ؛ لأنهم كانوا على دراية كبيرة بشئون الإدارة المالية ، فهم الذين يسجلون الملكية الزراعية وهم الصيارفة وهم جباة الضرائب والأموال العامة ، وبعبارة أخرى : كان الأقباط يحتكرون البيانات الصحيحة بالدخل العام للبلاد ، وبالتالي فإنَّ تأمين الوجود المادي للجيش الفرنسي وتوفير الأموال اللازمة لتدبير احتياجاته يتوقف على مساعدة القبط للغزاة ، ومدى تعاطفهم معهم .
والحق أن بعض الأقباط لم يجدوا حرجًا في التعاون مع الفرنسيين ، ولم يؤرق ضمائرهم أن يكونوا ذراع المحتل الغاصب في جباية الأموال وتحصيل الضرائب ، ومن هنا قَبِل المعلم "جرجس الجوهري" أن يكون مسئولاً عامًّا عن تحصيل الضرائب العقارية ، كما قام في الوقت نفسه بتنظيم الموارد المالية.
أما "المعلم يعقوب" فقد بادر إلى عرض خدماته على الفرنسيين ، وكان مخلصًا في تعاونه معهم بقدر ما كان خائنًا للبلد الذي نشأ فيه ، والناس البسطاء الذين شبَّ بينهم ، سواء كانوا من المسلمين أم القبط المخلصين الذين أَنِفُوا أن يضعوا أيديهم في يد المحتل الفرنسي.
ومهما يكن من أمر، فقد وافق نابليون بونابرت على أن يرافق المعلم يعقوب الجنرال ديسيه في حملته على الصعيد ؛ نظرًا لسابق معرفته بأقاليم الصعيد ، واطلاعه على أوضاعها المالية والإدارية.
وقد بذل المعلم يعقوب جهودًا مضنية لإنجاح حملة ديسيه ؛ فأشرف على تجهيز ما يلزم الحملة ، وأمَّن لها طرق السير ، وتوفر على ضبط الشئون المالية والإدارية للأقاليم المفتوحة ، وعمل على التوفيق بين الأوامر الجديدة التي كان يصدرها الجنرال ديسيه والأنظمة القديمة المألوفة في البلاد
وكان يعقوب سخيًّا في مساعدته للفرنسيين أشد ما يكون السخاء ، إذ لم يكتف بتوظيف خبرته المالية والإدارية لصالحهم ، بل شارك في العمليات الحربية مشاركة فاعلة تنبئ عن نفسٍ حاقدة على الإسلام والمسلمين . وتقديرًا لحسن بلائه في المعارك منحه الجنرال الفرنسي سيفًا تذكاريًّا منقوشًا عليه (معركة عين القوصية - 24 ديسمبر 1798م ).
المعلم يعقوب والجنرال كليبر:
لم يكد يمضي عام على الغزو الفرنسي لمصر، حتى أدرك نابليون - بعد الصعوبات الهائلة التي تعرض لها هو وقواته - استحالة تحقيق حلمه في بناء إمبراطورية فرنسية بالشرق تكون مصر قاعدة لها ، ومن ثَمَّ كان بقاؤه في مصر عبثًا لا نفع من ورائه ، فعاد إلى فرنسا في مطلع أغسطس سنة 1799م تاركًا قيادة الحملة للجنرال كليبر، الذي قام بقمع ثورات المصريين في وحشية بالغة وقسوة سجَّل المؤرخون كثيرًا من مظاهرها.
وكان للمعلم يعقوب دور " قذر" في قمع الثورة وتعقُّب الثوار والقضاء عليهم ؛ حيث تحصن بداره في الدرب الواسع جهة الرويعي ، واستعد استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين ، وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد ثورة القاهرة الأولى ، وقد انضم إلى المعلم يعقوب في حروبه ضد العثمانيين أو المماليك بعد نقض معاهدة العريش عددٌ من القبط والشوام والأروام .
وبعد نجاح كليبر في إخماد الثورة فرض على المصريين كثيرًا من الأموال عقابًا لهم ، وفي الوقت نفسه كافأ المعلم يعقوب على ما قدمه للفرنسيين من ألوان الدعم والمعونة العسكرية بأنَّ سلطه على المسلمين يفعل بهم ما يشاء.
ومن المؤسف حقًّا أن بعض الأقباط ونصارى الشام وخاصة من التحق منهم بخدمة الفرنسيين تطاولوا على المسلمين ، وأساءوا إليهم بالقول والفعل بعد إخماد ثورة القاهرة الثانية.
ويشير الجبرتي إلى تعسف الفرنسيين في تحصيل الأموال التي فرضوها على المصريين منوهًا بدور الأقليات المسيحية في ذلك : " وكل ذلك بإرشاد القبط وطوائف البلاد ( أي : الأقليات المسيحية ) ؛ لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة ، وتقاسموا الأقاليم ، والتزموا لهم بجمع المال . ونزل كل كبير منهم إلى إقليم ، وأقام بسرة الإقليم مثل الأمير الكبير، ومعه عدة من العساكر الفرنساوية ، وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارفة والأتباع والخدم والفراشون...
ويرسل إلى ولايات الأقاليم من جهته المستوفين من القبط أيضًا ، ومعهم العسكر من الفرنساوية والصرافين ، فينزلوا على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ، ويؤجلونهم بالساعات ، فإن مضت ولم يوفوهم المطلوب حلَّ بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسب".
المعلم يعقوب والفيلق القبطي :
وكذلك فقد منح الجنرال كليبر المعلم "يعقوب" رتبة كولونيل ، وجعله على رأس فرقة عسكرية من شباب القبط ، كان أمر تدريبهم منوطًا بعدد من الضباط الفرنسيين . ويذكر بعض مؤرخي الأقباط أن المعلم يعقوب هو الذي جهَّز هذا الفيلق القبطي بالسلاح والميرة من ماله الخاص . يقول الجبرتي :
" طلبوا - أي الفرنسيين - عسكرًا من القبط ، فجمعوا منهم طائفة وزيُّوهم بزيهم ، وقيدوا بهم من يُعلِّمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك ، وأرسلوا إلى الصعيد فجمعوا من شبابهم نحو الألفين ، وأحضروهم إلى مصر وأضافوهم إلى العسكر".
ومعنى ذلك أن الفيلق القبطي الذي تزعمه المعلم يعقوب كان عبارة عن فرقة عسكرية مدربة ملحقة بالجيش الفرنسي ، أُنشئت لمعاونة الفرنسيين في حربهم ضد المماليك والعثمانيين.
والحق أن سياسة الفرنسيين في تجنيد بعض أبناء الأقليات الدينية في مصر لم تكن مقصورة على القبط ، بل اتسعت دائرتها لتشمل اليونانيين وغيرهم . وقد وقعت هذه السياسة من نفس يعقوب موقعًا حسنًا ، وصادفت منه تجاوبًا واهتمامًا ، وكما يقول الدكتور أحمد حسين الصاوي : " فإن الفرنسيين بخطتهم الاستعمارية ، ويعقوب بأحلامه وتطلعاته التقيا على إرادة واحدة تجسدت في إنجاز واحد هو تكوين الفيلق القبطي ".
وقد أراد الأستاذ شفيق غربال أن يمحو عن المعلم يعقوب وصمة الخيانة للأمة المصرية وخطيئة العمالة للإحتلال الفرنسي ، فحاول أن يجعل منه رائدًا للتحديث وداعية من دعاة الاستقلال عن المماليك والعثمانيين جميعًا ، عن طريق تكوين جيش مصري مدرب على الطراز الغربي يكون أداة لاستقلال مصر.
وهي محاولة لا تقوم على سند صحيح من التاريخ ، وتصوُّر يناقض المتواتر من روايات المؤرخين المعاصرين للحملة الفرنسية ، سواء كانوا من المصريين أو الفرنسيين أنفسهم ؛ فالمعلم يعقوب في ضوء الروايات قبطي مارق وضع يده في يد المحتل الفرنسي ، وكان حربًا على أمته .
وأعجبُ من محاولة الأستاذ غربال تصوير يعقوب في صورة المصري الوطني والمناضل الغيور على أمته الحريص على استقلالها ، غمزُه للسيد عمر مكرم بأنه مثال لعالم الدين التقليدي الذي يركن إلى تهييج وإثارة عواطفهم دون وضع قاعدة سليمة للعمل السياسي الدائم . وثالثة الأثافي تقديم المعلم يعقوب الخائن على السيد عمر مكرم العالم المناضل المخلص الذي لا ينكر دوره الوطني المجيد إلا صاحب هوى .
ومهما يكن من أمر ، فقد مكث المعلم يعقوب بالقاهرة على رأس الفيلق القبطي المساند للإحتلال الفرنسي ، المؤيِّد لخططه وبرامجه.
المعلم يعقوب في عهد منو:
ولم يكد كليبر ينجح في قمع ثورة القاهرة الثانية حتى اغتيل على يد سليمان الحلبي في 14 يونيو 1800م ، فآلت قيادة الحملة إلى جاك منو . وقد ظل المعلم يعقوب في عهد " منو " يؤدي مهمته في خدمة السلطات الفرنسية ، ويتفانى هو وأعوانه في أداء هذا العمل على حساب أمن المصريين وسلامتهم وحرياتهم وكرامتهم وحرمة بيوتهم وأموالهم ".
والحق أن تعاون هؤلاء الخونة مع الفرنسيين لم يكن نابعًا من مجرد التعصب الديني فحسب ، بل كان يغلب عليه الطمع والأثرة العمياء التي تجرد النفوس من المشاعر الإنسانية الطيبة . وقد واصل هؤلاء تعسفهم في جمع الأموال التي فرضها الإحتلال الفرنسي على المصريين .
في عهد (منو) استمر يعقوب وأعوانه في تقديم المساعدة العسكرية للفرنسيين ، حيث قاموا بتحصين القاهرة في وجه العثمانيين عندما اقتربوا منها للمرة الثانية (مايو 1801م). وفي ذلك يقول الجبرتي :
" توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس ، فتعدى على بعض الأعيان ، وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه ، فتشكى الناس من ذلك القبطي...".
ومن المؤسف حقًّا أن بعض المسلمين كانوا من أعوان يعقوب في قهر المصريين وإذلالهم ، ويذكر الجبرتي منهم رجلاً يُدعى مصطفى الطاراتي ، وكان من موظفي الإدارة العثمانية ثم التحق بخدمة الفرنسيين ، وقد تم القبض عليه وإعدامه في ميدان باب الشعرية بعد رحيل الحملة الفرنسية.
وتقديرًا لإخلاص المعلم يعقوب للفرنسيين وما قدمه لهم من ألوان الدعم والمساندة ، فقد منحه "منو" رتبة جنرال في مارس 1801م.
المعلم يعقوب والأيام الأخيرة للحملة الفرنسية:
تحرَّج موقف الفرنسيين نتيجة الضغوط العسكرية التي مارسها عليهم العثمانيون والإنجليز ؛ حيث زحف الجيش العثماني نحو القاهرة ، في حين زحف الجيش الإنجليزي من رشيد بعد أن فرض حصارًا على "منو" في الإسكندرية. وزاد من صعوبة الموقف الفرنسي انتشار مرض الطاعون في صفوف الجند وحصده أرواح كثير منهم ، ومن ثَمَّ لم يجد الفرنسيون بدًّا من الدخول في مفاوضات مع العثمانيين والإنجليز، وهي المفاوضات التي أثمرت عن توقيع اتفاق الجلاء عن مصر.
وقد تضمنت اتفاقية الجلاء مادتين مهمتين تتعلقان بوضع عملاء الفرنسيين ومعاونيهم من قبط مصر وغيرهم إبان فترة الإحتلال ، وهاتان المادتان هما :
1- كل من أراد من أهل مصر أيًّا كان دينه أن يصحب الفرنسيين في عودتهم إلى فرنسا ، فله ذلك.
2- كل من التحق بخدمة الفرنسيين لا يكون قلقًا على حياته أو ممتلكاته.
وهكذا فقد أَمِن على نفسه وماله وعياله كل من تعاون مع الفرنسيين إبان الإحتلال. وقد أعطي الأمير المملوكي إبراهيم بك أمانًا لأكابر القبط ، فخرجوا وسلموا ورجعوا إلى دورهم .
وقد قرر عدد غير قليل ممن كان يتعاون مع الفرنسيين الرحيل معهم إلى فرنسا ، وعلى رأس هؤلاء المعلم يعقوب الذي خرج بمتاعه إلى الروضة في صحبة عدد كبير من عسكر القبط ، فاجتمعت نساؤهم وأهلهم وتوجهوا إلى القائد الفرنسي "بليار" يبكون ويرجونه أن يدع هؤلاء القبط الفارين ، فوعدهم بليار أن يرسل إلى يعقوب يأمره بألاَّ يجبر من لا يريد السفر معه.
ومع ذلك فقد آثر الهجرة إلى فرنسا جمهور غفير من القبط والأروام ونصارى الشام وتجار الإفرنج وبعض المسلمين ممن كانوا يتعاونون مع الفرنسيين ، بيد أن الجبرتي يذكر أنه بعد مرور نحو شهر من خروج هؤلاء المهاجرين إلى القاهرة "حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية ، فتخلفوا عنهم ورجعوا إلى مصر".
ومعنى ذلك أن جزءًا من عسكر الفيلق القبطي التابع للمعلم يعقوب تراجع عن قرار الهجرة وقرر البقاء في مصر. ومما ساعد على ذلك حرص العثمانيين على تكرار المناداة بالأمان وإشاعة جو من التسامح والتجاوز عن الماضي وبدء صفحة جديدة في العلاقات بين مختلف طوائف السكان. وكان العثمانيون يهدفون من وراء هذه السياسة إلى اكتساب تأييد أهل مصر جميعًا ، ومنع وقوع أي منازعات طائفية تضرُّ بأمن البلاد.
ويذكر الجبرتي أنه بعد مرور شهر من توقيع إتفاقية الجلاء عن القاهرة " نُودي بأن لا أحد يتعرض بالأذية لنصراني ولا يهودي ، سواء كان قبطيًّا أو روميًّا أو شاميًّا ؛ فإنهم من رعايا السلطان ، والماضي لا يعاد ".
ولم تكن إذاعة هذا الأمان مقصورة على القاهرة ، ولكنها شملت عددًا من أقاليم الوجه البحري والقبلي ، وهو الأمر الذي سمح للأقباط بالعودة مرة أخرى إلى مزاولة وظائفهم الإدارية والمالية.
أما المعلم يعقوب فلم يتراجع عن قرار الهجرة إلى فرنسا ، وقد رافقه من أسرته والدته وزوجته وابنته وأخوه حنين ، وابن أخته غبريال.
ومن الجدير بالذكر أن السلطة العثمانية أرسلت إلى القائد الفرنسي " بليار " تطلب منه أن يحاول إقناع المعلم يعقوب بالبقاء في مصر لتنتفع بخبراته المالية والإدارية ، ولكن المعلم يعقوب رفض البقاء رفضًا قاطعًا ؛ لأنه خشي أن تكون دعوة العثمانيين له بالبقاء مؤامرة قد تودي بحياته ؛ جزاء خيانته لوطنه وأمته إبان الإحتلال الفرنسي .
وفي العاشر من شهر أغسطس أبحرت السفينة الفرنسية "بالاس" تحمل على متنها فيمن تحمل المعلم يعقوب ورفاقه ، وبعد إقلاعها بيومين نزل عقاب السماء بالخائن يعقوب ، حيث أصيب بحمى شديدة ومات في عرض البحر بعد أربعة أيام . وظلت جثته على ظهر السفينة حتى مرسيليا حيث دفن هناك.
وفي ذات الإطار يقول الدكتور/ هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن تحت عنوان " الحملة الفرنسية ودور الأقباط فيها " :
من منا لا يعرف ( المعلم يعقوب حنا القبطي ـ وملطي ـ وجرجس الجوهري ـ وأنطوان الملقب بأبي طاقية ـ وبرتيلمي الملقب بفرط الرومان ، ونصر الله النصراني ترجمان قائمقام بلياز، وميخائيل الصباغ وغيرهم من زعماء النصارى ) الذين كانوا يعملون مع المحتل الفرنسي لمصر .
لقد استغل نصارى مصر إحتلال نابليون لمصر فتقربوا إليه واستعان بهم ليكونوا عيون جيشه حيث كانوا يرشدونهم على بيوت أمراء المماليك ورجال المقاومة الذين كانوا يجاهدون الفرنسيس ، وكل ذلك ثابت لدى الجبرتي في عجائب الآثار ، ونقولا الترك في ( أخبار الفرنساوية وما وقع من أحداث في الديار المصرية ) ، إذ يؤكد المؤرخان المعاصران للحملة الفرنسية أن نابليون استقدم معه جماعة من نصارى الشام الكاثوليك كتراجمة بالإضافة إلى استعانته بنصارى مصر ( الأرثوذكس ) وقد ذكر الجبرتي المعلم يعقوب القبطي الذي كان يجمع المال من الأهالي لمصلحة الفرنسيس ، بل إن المعلم يعقوب وصل به الأمر أن كون فرقة من الأقباط لمعاونة المحتل إذ يقول الجبرتي : " ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبط جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية ، وصيرهم ساري عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد ، وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر ، وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وأبراج وباب كبير "
بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل من جميع البساتين كما تفعل قوات الإحتلال في فلسطين والعراق ، ولم يتورعوا في هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفاً من تترس المحاربين حسب وصف الجبرتي.. حتى قال " وبثوا الأعوان وحبسهم وضربهم ، فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها "
بل كان زعيمهم ( برتيلمي ) الذي تلقبه العامة بفرط الرومان لشدة إحمرار وجهه ؛ كان يشرف بنفسه على تعذيب المجاهدين ، وهو الذي قام بحرق المجاهد سليمان الحلبي قاتل كليبر، وكان هذا البرتيلمي يسير في موكب وحاشية ويتعمد إهانة علماء المسلمين ويضيق عليهم في الطرقات محتمياً في أسياده الفرنسيس تماماً مثل ما يحدث في العراق اليوم من خلال الجواسيس الذين يعملون مع الإحتلال الأمريكي الذين يرشدون قوات الإحتلال على بيوت المقاومين .
ويتابع الدكتور / هاني السباعي :
نص عريضة زعماء الأقباط إلى الجنرال منو:
"حضرة ساري عسكر العام :
إن جنابكم من قبل ما فيكم من العدل والحلم والفطنة ، أرسلتم تسألونا بأن نوضح لكم ما نحن به من القهر، نحن قبل الآن لم نقصد كشف جراحنا التي كانت في كل يوم تتسع شيئاً فشيئاً ؛ أولاً تسليماً للمقادير ، وعشماً بكون كل واحد منا يرجع لذاته ويحاسب نفسه. تأنياً (ثانيا) خوفاً من أن يقال عنا أننا نحب السجس ( الظلم ) ونواخد ( نؤاخذ ) بذلك من الحكام . ثالث ( ثالثا ) ليلى ( لئلا ) يتضح كأننا أخصام لأخوتنا وقاصدين الشكوى عليهم ، ولكن من حيث جنابكم أبو الجميع وطبيب الرعايا ، وقد زاد علينا الحال حتى ظهرنا من جملة العصاة على أوامركم وقد قاصصتمونا لذلك ، فاقتضى الحال أن نستغيث بكرسيكم ، تعيّنوا بأمركم أناساً من أهل الفطنة خاليين الغرض ممن ترونهم أنتم ، يقعدوا في ما بيننا ، ويتبصروا في حال حسابنا وفي النهاية بعد أن يردوا الجواب لجنابكم لكم التبصر فيما تأمرون به ، ومع ذلك فنرجوكم بأن لا تظنوا بكوننا قاصدين بعرضحالنا الشكوى على أحد أم قصاصه بل قصاصنا نحن بوجه خاص إنكان (إن كان) يظهر كلامنا هذا بخلاف الواقع ، ثم إن هذا الأمر يدركه أيضاً خادمكم الخاص حضرة الجنرال يعقوب ومع ذلك لأجل طبعه الوديع محتار كيف يتصرف في مثل هذه الدعوى ، والله تعالى يحفظكم . من عند توابعكم المباشرين : ملطي وأنطوان "
ويتابع الدكتور / هاني السباعي قائلا : مع العلم أن ملطي هذا كان من أكبر زعماء الأقباط وقد ظهر نجمه في أيام الإحتلال الفرنسي لمصر ، وقد تولى في عهد نابليون رئاسة محكمة القضايا ، وهي أول محاولة لتنحية الشريعة الإسلامية في مصر ، لأن هذه الهيئة كانت تتكون من إثني عشر تاجراً نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من النصارى ، وأسند منصب رئيس المحكمة إلى قاضي قبطي هو / الملطي الموقع على العريضة السابقة للجنرال مينو الذي خلف كليبر في الحكم ، وكذلك صديقه / أنطوان الذي كانت تلقبه عوام المصريين بأبي طاقية ، وكان من كبار زعماء الأقباط وأكثرهم غنى ، وأما الجنرال يعقوب فهو نفسه المعلم يعقوب حنا رجل الإحتلال الفرنسي وخادمهم المخلص الذي رحل معهم إلى فرنسا..
ويتابع الدكتور / هاني السباعي هكذا لم يثبت تاريخياً أن النصارى قاوموا الإحتلال الفرنسي وأن حكاية اختراع بطولات وهمية مثل أن بعض الأقباط في ثورة القاهرة الثانية كان يمد الثوار بالمال واللوازم خاصة في منطقة بولاق أثناء حصار كليبر لأهالي بولاق ، فيناقضها شهادة الجبرتي الذي قال : " وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري ، وفلتيوس ، وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وفي وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين ، فأرسلوا إليهم الأمان " .
إذن ما دورهم في مقاومة الإحتلال الفرنسي إلا الفزع والهلع وطلب الأمان ، ثم صاروا العين الحارسة لمصالح الإحتلال ، بل إن زعيمهم المعلم يعقوب حنا كان شغله الشاغل هو حرب زعيم المجاهدين في منطقة بولاق / حسن بك الجداوي ؟ لماذا ؟ لأن حسن بك الجداوي كان يطلب من الأغنياء مساعدة المجاهدين لشراء أسلحة وبارود وذخائر ومؤن وكل مستلزمات المقاومة فكان من يدفع منهم مالاً كان لصيانة نفسه وخوفه من انتقام المقاومين الذين كانوا متترسين في منطقة بولاق بالقاهرة وضواحيها لذلك قال الجبرتي في عجائبه : " وأما المعلم يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي ، واستعد استعداداً كبيراً بالسلاح والعسكر المحاربين ، وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى ، فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه " ، هكذا استعد المعلم يعقوب لزعيم المجاهدين المسلمين وليس لجيش الإحتلال الفرنسي .
أما الدكتور / أحمد غباشى مدرس التاريخ الحديث والمعاصرعضواتحاد المؤرخين العرب فيقول :
" ومع دخول الفرنسيين أنضم إليهم الأقباط على أساس أنهم المخلصين لهم من هذه القيود ، وأستعملهم الفرنسيون في جمع الضرائب وجبايتها كما عين بونابرت أحد أعيان الأقباط وهو جرجس الجوهري لتأثيث مصر محمد الألفي .
كما ألقى نابليون القيود المفروضة عليهم في الملعب وغيرها ، كما اشركهم في الدواوين التي أنشأها ، وعندما أنشأ المحكمة التجارية عين ستة تجار من الأقباط ، وستة من المسلمين وعين المعلم ملطى القبطي رئيساً لها.
ومن الأمور الهامة هو التعاون العسكري بين مجموعة من الأقباط والفرنسيين والمعروفة بحركة الجنرال يعقوب أو الفيلق القبطي ، إلى حد أنهم إتخذوا لأنفسهم زياً عسكرياً مماثلاً للجيش الفرنسي ، ولكن معظم الأقباط عارضوا سياسة الجنرال يعقوب وأدانوها في مناسبات عديدة .
ويذكر " كتاب تاريخ الأمة القبطية " أن رجال الدين لم يكونوا راضيين عن الجنرال يعقوب ، وأنه كان بينه وبين البطريريك مرقص الثامن مشاحنات ومنازعات بلغت حد دخول يعقوب الكنيسة مرة وهو راكب جواده رافعاً سيفه ، ووجه الأنبا مرقص الثامن رسالة إلى الأقباط في أعقاب خروج الحملة الفرنسية هاجمه فيها بأسس ما ظهر في الفترة الأخيرة من ظواهر : -
" إننا نتعلم عادات الأمم الغربية ولازمنا معاشرة فاعلى الشر ، وأبدلنا حب بعضنا بعضاً بالعداوة ، وكل ذلك ونحن لا نرجع عن فعلنا الردئ . وأما نحن فلسنا مثابرون على الأعمال الصالحة بل على عكس المقومات كلها , وأضعنا تدبير حياتنا فيما لا ينفع ولا يبنى ، فلا الشيخ يستحي من شيخوخته ولا الشباب يشفق على شبابه ولا النساء تستحي من بعولتهن ، ولا العذراء من بتولتهن .
ولم يكن المعلم يعقوب فقط وإنما إنضم عدد من الأقباط إلى الفرنسيين مثل المعلم كاريوس حنين ، والمعلم غبريال سيدراوس ، والقس حنا راعي كنيسة منفلوط " .
ثانيا : الأقباط ودعم الإحتلال الانجليزي .
أما عن دور الأقباط وموقفهم من الإحتلال الإنجليزي ، فيقول الدكتور / أحمد غباشي :
فقد عملت بريطانيا منذ بداية إحتلالها لمصر على إتباع عدة سياسات من أجل إحكام السيطرة على مفاصل الدولة المصرية ، أهمها صبغ كل مؤسسات الدولة بالصبغة الإنجليزية ، والسيطرة على الحاكم من خلال مبدأ إننا لا نحكم مصر بل نحكم من يحكمون مصر ، وكانت السياسة الأهم هي سياسة فرق تسد بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط .
رحب بعض الأقباط بالقدوم الإنجليزي على مصر الذين توقعوا عهداً جديداً من الحرية بقدوم البريطانيين الذين يشاركونهم الدين ، وقد أوضح الدكتور جلال يحيى في كتابه المدخل في تاريخ العالم العربي الحديث ( أن الإستعمار البريطاني استغل هذه الظروف من التناقض بين عنصري الأمة في زيادة إحتدام نيرانها ، وأوعز بأن الحركة الوطنية تعني إخضاع الأقلية المسيحية لحكم إسلامي ).
ويتابع الدكتور/ أحمد غباشي قائلا :
حادثة دنشواى كانت بداية الشقاق ، فقد كان من نتائج هذه الحادثة اشتداد ساعد الحركة الوطنية ، وظهور الأحزاب ، فعمد الإنجليز إلى إيجاد نوع من الخلاف بين المسلمين والأقباط لضرب الحركة الوطنية ، محاولين الإيهام بأنه لاحياة لهم إلا في ظل الإحتلال ، وبالتالي تنشغل الأمة المصرية بقضية أخرى غير التفكير في الجلاء والإستقلال وهنا وجه عبد الله النديم حديثة إلى الأمة المصرية .
ومن أسباب الشقاق أيضا ما زعمته إيطاليا من أن مشروع الجامعة الاسلامية لمصطفى كامل وحركته الوطنية ذات مضمون طائفي على الرغم من وجود بعض الأقباط مثل ويصا واصف باشا.
ومن أسباب الفتنة أيضا الحزب المصري لأخنوخ فانوس زعيم الطائفة الإنجيلية الذي تلقى تعليمه في المدرسة الإنجيلية بأسيوط ، وأكمله بالجامعة الأمريكية ببيروت ، وهو أحد أسباب وأوائل من أحدثوا شقاق طائفي في مصر ، رغم كونه غير تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية دينا وتعليماً ، إذ تربى في أحضان إرساليات التبشير الأجنبية.
كانت الصحافة مسرحاً آخر للفتنة الطائفية والحرب الكلامية ، وكانت صحيفتي تادرس المنقباوي (مصر) و (الوطن) لسان حال الأقباط ، في المقابل كانت المؤيد للشيخ على يوسف اللواء لسان الحزب الوطني .
وبدأ الإستفزاز من جريدتي مصر والوطن في نشر المقالات المسيئة للإسلام والتي تهاجم الإسلام هجوماً عنيفاً ، بالإضافة إلى نشر سيل من البرقيات مثل ( قلق الأقباط العظيم ) ( ما يجب على الأقباط ) ومنها من رأى الإلتجاء إلى دولة قوية لتكون عنصراً للأقباط ، ومنهم من رأى اللجوء إلى وزير خارجية إنجلترا ، والمعتمد البريطاني .
في 22مايو 1908: نشرت ( مصر ) مقالة تهاجم فيها من وطئت أقدامهم أرض مصر من بدء الإسلام إلى اليوم العرب و الترك و الفرنسيين والإنجليز ، وهاجمت فكرة الجامعة الإسلامية .
في 15يونيه 1908 نشرت جريدة الوطن مقالة للصحفي فريد كامل بعنوان ( الإنسانية تتعذب ) أساء فيه للتاريخ الاسلامي ، وجاء الرد من الشيخ عبد العزيز جاويش بمقالة في جريدة اللواء بعنوان ( الإسلام غريب في بلاده ) تكلم فيها بلهجة قاسية.
كان أخنوخ فانوس قد أنشأ الهيئة التي سميت مجتمع الإصلاح القبطي وجعل وظيفتها إشعال روح الفرقة بين المسلمين والأقباط .
في يناير 1910 دعا لطفي السيد إلى الإحتفال بعيد الهجرة النبوية وحضر الإحتفال (مرقص حنا) ووقف خطيباً يقول:-
أن السنة الهجرية سنة المصريين جميعاً يحتفل المسلمين والمسيحيين ، لأنه إحتفال الدين شريف مبدؤه أن محبة الوطن من الإيمان وعلى هذا المبدأ أقول إنني مسلم ومسلم ، مهما قيل ويقال عن تقاطعنا وتدابرنا ، فنحن أخوان في الوطن ، فإذا حدث خلاف بين مصريين ومصريين فلا يعد ذلك دليلاً على عدم وجود إخاء ، وإنما هو من مستلزمات الحياة .
وقد شنت جريدة الوطن هجوما عليه وأسمته يهوذا الأسخريوطي .
ويتابع الدكتور / أحمد غباشي قائلا :
ومن أسباب الفتنة أيضا حادث إغتيال بطرس غالي ، ولعل من أسباب إسناد الخديوي عباس حلمي لبطرس غالي تشكيل الوزارة 1908 ، هو أن يثبت لأوروبا أنه لا توجد في مصر أزمة طائفية.
وقد أُغتيل بطرس غالي على يد الشاب المصري إبراهيم الورداني في 21 فبراير 1910والذي قيل أنه كان من أعضاء جمعية سرية تدعى جمعية التضامن الأخوي ، وتعتبر هذه الحادثة هي أولى حوادث الإغتيالات السياسية التي وقعت في تاريخ الحركة الوطنية في العصر الحديث باستثناء حادث اغتيال الجنرال كليبر ، وقد أورد الورداني في التحقيقات أسباب الإغتيال فيما يلي :
1) إتفاقية الحكم الثنائي على السودان 1899 عندما كان وزيراً للخارجية.
2) أن بطرس غالي رأس محكمة دنشواي 1906 والتي أصدرت أحكامها الجائزة بإعتباره وزيراً للحقانية بالنيابة.
3) سعيه لمد إمتياز قناة السويس 40 عاماً.
زعمت الصحف القبطية أن الدافع وراء ارتكاب الجريمة هو التعصب الديني ، وأن بطرس غالي لم يقتل إلا لأنه قبطي ، وراحت تكيل التهم للمسلمين عامة وللحزب الوطني ورجاله وصحافته خاصة.......
وفي غضون هذه الأزمة أخذت الصحف القبطية تدافع عن الإحتلال ووجوده في مصر ، حيث دعت جريدة "مصر" إلى التسبيح بحمده لأن في ذلك حماية للأقباط ، وأن الأقباط كانت حياتهم عرضة للإباده لو أبطأ المحتلون في دخول البلاد أسبوعاً واحداً.
وأخذت جريدة المقطم تنشر الروايات المختلفة والمهيجة لمشاعر المسيحيين المصريين ، وراح فانوس يدعو للإحتلال وبأنه لا سلامة للأقباط إلا مع الإحتلال .
ونتيجة لتصاعد الأحداث تم الدعوة إلى عقد المؤتمر القبطي سنة 1911 وفي نفس التوقيت تم عقد المؤتمر المصري أو الإسلامي ، وكتب أحمد شوقي داعياً إلى الوحدة الوطنية قائلاً :
تعالوا عسى نطوي الجفاءَ وعهدَهُ
وننبـذُ أسبــابَ الشقــاقَ نــواحـيا
ألم تــكُ مصـرُ مهدنــــا ثم لحدُنا
وبينهـــم كانـــت لكـــــــل مُعانيـا
اعتمد الإحتلال البريطاني على إصدار صحف خاصة مثل جريدة « المقطم » التي أصدرها يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس والتي نشرت صراحة على صفحاتها أن الغرض السياسي من تأسيسها معلوم وظاهر، وهو تأييد السياسة الإنجليزية .
لقد كانت جريدة المقطم هي لسان حال الإحتلال الإنجليزي والأقباط معا ، يقول الدكتور محمد عمارة في مقاله " جيوش الثقافة وجيوش الإحتلال " المنشور علي بوابة الأهرام :
ولقد أنشأ هذا الجيش الثقافي ـ بمصر ـ العديد من المنابر الثقافية والصحفية , من أشهرها مجلة المقتطف ـ التي استمرت تصدر من سنة 1876م حتي قيام ثورة يوليو سنة 1952م ، والتي كانت تدس سم الإلحاد في عسل النظريات العلمية الحديثة ، وكذلك صحيفة المقطم التي صدرت سنة 1889م وحتي ثورة يوليو سنة1952 م ، والتي كانت لسان حال الإستعمار الإنجليزي ودار المعتمد البريطاني بمصر!.. وكان القائمون علي هذه المنابر الثقافية والسياسية هم ـ أيضا ـ من خريجي مدارس الإرساليات الكاثوليكية الفرنسية ـ يعقوب صروف (1852ـ1927م) وفارس نمر(1856ـ1951م) وشاهين مكاريوس (1853ـ1910م ) .
ولأن عبدالله النديم كان أحد المعبرين عن ضمير الأمة وهويتها العربية والإسلامية فلقد تصدي لهذا الجيش الثقافي الذي زحف علي مصر المحروسة ، فكتب يصف القائمين علي مجلة المقتطف بأنهم : أعداء الله وأنبيائه والأجراء الذين أنشئوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين , فمن ينسبون معجزات الأنبياء إلي الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية , ويرجعون بالمكونات إلي المادة والطبيعة منكرين وجود الإله الحق . وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية , وما هي إلا معاول يهدمون بها عموم الأديان !
أما صحيفة المقطم ـ العاملة في خدمة الإحتلال الإنجليزي فلقد تحدث النديم عن أصحابها وكتابها فوصفهم بأنهم الأجراء الخونة , عملاء الأجانب الذين خانوا وطنهم وأهلهم وداروا حول أبواب الإنجليز , فخوفوهم من المصريين , حتي أبعدوهم عن الخدمة وحشدوا مكانهم الغرباء حتي كأن ثمرة مصر ما حرمت إلا علي أبنائها ، وهم يستدعون أوروبا علي مصر بدعوي المحافظة علي الأمن والخوف من الحركات الدينية ، فهم أعداء المصريين , العاملون علي شق عصا الإجتماع الشرقي !
هكذا مولت فرنسا العلمانية مدارس الإرساليات الدينية لتخريج الجيش الثقافي المتفاني في خدمة الحضارة المسيحية لأوروبا ، والذي مهد الأرض لجيوش إحتلال الأرض ونهب الثروات !
يقول الأستاذ/ محمد شعبان صوان في مقال بعنوان " في ذكري وعد بلفور " وأثناء حديثه عن الشخصيات التي حضرت افتتاح الجامعة العبرية في القدس عام 1925م :
وشاركه في هذا الموقف جريدة المقطم وصاحبها فارس نمر الذي لم يكتف بتأييد الإحتلال البريطاني في مصر ، بل تعداه إلى تأييد الحركة الصهيونية وتبني مواقفها والعمل على تغذية الوعي الصهيوني بين أفراد الطائفة اليهودية في مصر ، وغيرها من البلاد العربية كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي في ج 2 ص 3، وكانت المقطم ترى في وضع فلسطين تحت حكم الإنتداب ما لا يراه أهل فلسطين أنفسهم وتقارن بين حالة شعب فلسطين تحت حكم العثمانيين وحالته تحت حكم الإحتلال البريطاني بطريقة مناقضة لمقارنات أهل فلسطين التي مر ذكرها ، وهو ما يشير بوضوح إلى انفصال الصحيفة وصاحبها عن قضايا الأمة وتبنيها مصالح الغرب بانحياز حاسم .
وللأسف الشديد كنت قد قرأت كتاب " عرابي ورفاقه في جنة آدم "من تأليف الدكتورة / لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ المعاصر - طبعة دار الشروق ، وهو كتاب يتناول الفترة التي قضاها أحمد عرابي ورفاقه في المنفي ، حيث كان من بين ما قرأت فيه رسالة أرسل بها عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية لأحمد عرابي يشرح له فيها فرحة الكنائس بالإحتلال الإنجليزي واحتفاؤهم بالضباط والجنود الإنجليز ، رسالة خطيرة في مضمونها وأسلوبها الذي يعكس ما بداخله من حزن وأسي قال فيها :
(( عندما دخل العُدوان وتربع الطُغام في الديوان تجملوا بالثياب وبرموا الأشناب ، انتفخوا بنفس الغير ، ونهقوا بصوت الحمير ، وتنهدوا فرحا ، واختالوا مرحا ، وجردوا سيوفهم التي ما سُلَّت ، وحركوا أيديهم التي قد غُلت ، وقابلوا الإنجليز بالولائم ، وتقربوا إليهم بالجرائم ، وقدم لهم المنافقون النفائس ، وصلَّت لهم النصاري في الكنائس ، وتلقوهم بالموسيقي والمغاني ، وتراقصوا معهم بالغواني كأنهم الظافرون بالإنجليز أو أنهم من غير الوطن العزيز ، وجمعوا نقودا من سائر الناس وصنعوا سيفا "لولسلي" وسيفا "لسيمور" وطبنجتين مرصعتن بالماس وكتب عليها مشير المنافقين " هدية ومعرفة جميل من المصريين " فدونوا لهم تاريخ ذلة بانتصارهم بعدو الملة .
ثم وضعوا الرحمة تحت نعالهم ، وجعلوا القسوة أجمل فعالهم ، وداروا حول حزبنا في البلاد يتصيدونهم في الأصفاد ثم ساقوهم إلي السجون وموارد المنون .
وقد خاطبوا العلماء خطاب الأسافل ، وأخرجوا الأشراف لكنس المزابل ، وأخذوا بالظن والتخمين ، وشنقوا الأبرياء من المسلمين فشنقوا اثني عشر رجلا في طندتا ( طنطا ) بشهادة إمرأة يهودية وتسعة بشهادة إلياس ملحمة في الإسكندرية وغيرهم في غير هاتين ممن لم تطرف لهم في الحركة عين .
وساقوا الشيخ عليشا إمام السنة إلي مستشفي قصر العيني في الدجنة كأنه مجرم أو لفيف أو أنه لم يكن حافظا الشرع الشريف ، وهناك جاءه العدو وسقاه فانتقل إلي رحمة الله وساقوا الشيخ العدوي وبقية العلماء وسجنوهم سجن الأدنياء لا دين يردعهم ولا وطنية تنفعهم ............
وإني لآسف علي يوسف أبي دية في غدوي ورواحي ، فإنه قتل ظلما بشهادة عبد الرحمن فايد وأحمد الصباحي ، وما أحسن ما أبداه من الثبات وهو تحت مشنقة الممات حيث قال له إبراهيم أدهم تريد شيئا نحضره إليك قبل أن يجري القضاء عليك ، فقال له وأي شيئ بعد أن قطعتم آمالنا ولكن اليوم لكم وغدا لنا .
كما آسف علي سليمان داود حيث قتل بلا شهود ، ولكنهم خافوا أن يثبت عليهم مذبحة الإسكندرية فعاجلوه بسوق المنية وكلنا بهذين الشهيدين مصابون إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولا تسأل عن ظلم مشايخ القري وما ابتدعوه من الإفتراء فإنهم شفوا غيظهم من الأفراد وأظهروا كامن الأحقاد ، فكل من كان من حزبنا نهبوه ، وكل عدو لهم إلينا نسبوه ليتشفوا بالإنتقام أو بتقديمه إلي الحكام .
ولما انتهي أمر الإنتقام بالنفي والإعدام ظن الأعداء أن الجو قد خلا والوقت قد حلا ولم يعلموا أنهم يخادعون الله وهو خادعهم ويصدعون الدين وهو صادعهم فأطالوا النوم والغطيط والله من ورائهم محيط )).
سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، وتشعر أن عبد الله النديم يشرح ما يحدث الآن مع ثوار يناير ، والأقباط علي نفس الموقف مع الإنجليز ضد ثورة الشعب .
الحقيقة أنني أتعجب كيف أن الفتنة الطائفية في مصر كانت قد بلغت ذروتها عام 1911م حين دعا الأقباط إلي مؤتمر عام لهم ، ودعا المسلمون إلي مؤتمر عام لهم للأسباب التي ذكرناها ، ثم يكون دورهم في ثورة 1919م علي النحو الذي يتم تضخيمه إعلاميا ، كيف تصل مطالبة أذرعهم الإعلامية بدوام واستمرار الإحتلال الإنجليزي إلي قيام الساعة ، وفجأة يصبحوا علي قمة ثورة المطالبة بالإستقلال .
ربما يجيبنا عن ذلك الدكتور هاني السباعي بقوله :
" فلا غرو إذن أن يشارك الأقباط في ثورة 1919م ، لأنهم علموا بالتجهيزات التي يقوم بها المسلمون للثورة ويعلمون أن جماهير غفيرة من كل فئات الشعب ستشارك وأن انطلاقة الثورة ستكون من جامع الأزهر فكان لابد من المشاركة بأمر بعض زعمائهم ( على طريقة حساب المكسب والخسارة ) .
ثالثا : الأقباط ودعم الانقلاب العسكري .
لاشك أن تحليل الدكتور / هاني السباعي لموقف الأقباط من ثورة 1919م يتفق مع موقف الأقباط من الثورة ضد مبارك ، فهم في الحقيقة حلفاء للعسكر منذ عام 1952م ولا يرتضون شريكا غيرهم ، وهو بذاته موقف الغرب من حكم العسكر في مصر حيث يتمسكون بهم ويدعمونهم استنادا إلي لعبة المصالح ، فلو تتبعنا موقف نجيب ساويرس وهو أحد أهم رؤوس الحربة في الإتحاد القبطي العالمي ، سنجده قد أظهر تمسكه بمبارك وذرف الدموع علي قناة المحور مع الإعلامي / سيد علي تعاطفا مع مبارك ورفضا للثورة عليه ، وحين نجحت الثورة وأطاحت بمبارك أعلن نجيب ساويرس أنه من رموزها وكبار داعميها وفي نفس الوقت سارع ساويرس لمضاعفة قنواته الفضائية وصحفه وإنشاء حزب سياسي وكيانات سياسية أخري متعددة ، وسافر للعديد من الدول الغربية يحذرهم من حكم الإخوان ، وأن الإخوان سيقيمون دولة مثل دولة إيران وسيمثلون خطرا كبيرا علي مصالح الغرب ، وأخذ يجمع الأموال علانية لمحاربة الإخوان وإسقاطهم ، وسخر منظومة إعلام الإتحاد القبطي العالمي التي يجهل كثير من البسطاء في مصر أنها تسيطر علي الإعلام المصري سيطرة تامة من خلال إنشاء العديد من الفضائيات القبطية والصحف والمواقع الإلكترونية ، فضلا عن سيطرتهم بالمال علي الإعلاميين والصحفيين كما فعل اليهود وإلا فمن يفسر لنا سفر وائل الإبراشي لنجيب ساويرس في أوربا أكثر من مرة ، وظهور شخصيات سياسية وقضائية من المسلمين علي شاشات مسيحية لدعوة الأقباط للخروج علي الرئيس الشرعي . واستطاع نجيب ساويرس رجل المخابرات الأمريكية الأول في الشرق الأوسط باعترافه في فيديو لازال علي موقع " يوتيوب " بعنوان " بلا حدود - نجيب ساوير " ، استطاع أن يوفق بين كل شركاء الانقلاب في الخارج والداخل حتي أسقطوا الرئيس الشرعي المنتخب بعد أن أسقطوا البرلمان المنتخب من قبل واستعادوا حكم العسكر من جديد حيث لا يرضون بغيرهم بديلا ، فالعسكر هم شركاء الأقباط في إدارة شئون العالم الإسلامي كله علي النحو الذي يرضي الغرب والأقباط معا في مقابل الحصول علي الدعم الغربي لاستمرار حكم العسكر في مصر إلي أن تقوم الساعة .
نعم الحاجة أم الإختراع ، وما كنا لنبحث في صفحات التاريخ عن مواقف الأقباط ، لولا مواقفهم الحالية الداعمة لانقلاب عسكري دموي يفتك بخيرة أبناء وشباب المسلمين ، نعم شباب المسلمين ، لأن الأقباط أغلبهم مؤيد للإنقلاب وجميعهم في حالة وئام مع دولة مصر العسكرية ، كان لابد أن نبحث لنعرف ماذا يريدون من وراء الإستعانة بالعسكر لقتل المسلمين ، فوجدنا في صفحات التاريخ ما يرشدنا أنهم يسعون لوقوع مصر تحت الإحتلال الغربي الذي يرون فيه الخير لهم ، ومحققا لكل أهدافهم التي تحدثنا عنها في قرابة تسعة وعشرين مقال بعنوان " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية ".
لقد أيدوا الإحتلال الفرنسي ودعموه ، وأيدوا الإحتلال الإنجليزي ودعموه ، وعندما تحررت مصر من هذا وذاك ، تحالفوا منذ زمن بعيد مع العسكر علي فرض الهوية العلمانية علي مصر ، وسحق أي مسلم مصري يتحدث عن المرجعية الإسلامية ، وأصبح العسكر هم أداتهم وأداة الغرب لتسيير مصر علي هواههم ووفق إرادتهم لاسيما منذ بدأت المساعدات العسكرية للجيش المصري منذ عام 1979 .
الآن الغرب والأقباط معا يتمسكون بالعسكر ، وقرروا أن يخوضوا المعركة علانية ، ويؤيدون قتل المسلمين علانية ، حتي يحكموا مصر بالإشتراك مع الغرب من خلال العسكر كأداة تنفيذ ، وهذا الإتفاق علي هوي العسكر الذين لا يعنيهم سوي الإستمرار في السلطة والتحكم في ثروة الشعب المصري ونهبها ، والإستمرار في الحصول علي المساعدات العسكرية الأمريكية المعلن منها والخفي .
لكن الذي يجهله العسكر أو ربما يعلموه ولكنهم لا يبالوا به ، أن خطوة الإنقلاب قد نقلت شئون السياسة والحكم في مصر نقلة نوعية ، فقد أصبح الأقباط الآن هم الذراع الأولي فيما يتعلق بشئون السياسة والحكم ، كل ما يُنفذ علي الأرض نقرأه كمقترحات للشخصيات القبطية العامة أو أذرعهم الإعلامية قبل أن يتم الإعلان عن صدور قرارات أو قوانين بتنفيذه .
إذن وبعد أن وصل الأقباط إلي هذه الوضعية السياسية ، وبعد أن بدأوا يتحكموا في كافة الأعمال الخيرية ، بعد تنفيذ العسكر أوامرهم بغلق الجمعيات الخيرية الإسلامية ، ستكون الخطوة القادمة ، هي إزاحة العسكر ، وحكم الأقباط لمصر حكما مباشرا ، وليس هذا ببعيد ولا غريب ، فكثير من الدول تحكمها أقليات بدعم الدول الكبري وقوة السلاح .
وإذا كنا قد استعرضنا في هذا المقال دعم الأقباط للإحتلال الفرنسي ، ثم دعمهم للإحتلال الإنجيلزي ، فإن مجموعة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " توضح كيف أن الأقباط قاموا بنفس الدور في الإنقلاب العسكري ، ليردوا الحكم لحلفائهم وشركائهم العسكر الذي يحكمون لهم مصر علي الأسس التي يضعونها لهم بالإشتراك مع الغرب .
فالغرب لن يترك الحكم يؤول لغير العسكر وتضيع عليهم مليارات الدولارات التي أنفقوها علي قادة الجيش المصري منذ عام 1979م .
والأقباط لن يسمحوا بأي مظهر إسلامي في مصر ، ولن يسمحوا بأي روابط بين الشعوب الإسلامية ، ولن يفرطوا في أهدافهم المعلنة والخفية التي عرضنا لها في سلسلة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " .
وأتمني من القراء الدخول علي " مدونة النائب محمد العمدة " بكتابة إسمها علي محرك البحث " جوجل " ثم قراءة مجموعة المقالات المعنونة " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " لأنها سوف تكشف لكم الكثير مما تجهلون من مخططات تحاك في الظلام لتُلحق بمصر بمسلميها وأقباطها أشد الأضرار والمخاطر لأنها كفيلة بخلق دولة فاشلة أهلها متحاربون كتلك التي أفلحت الدول الإستعمارية في زراعة الفتن داخلها حتي أشعلتها نارا وحولتها رمادا .
وملخص سلسلة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " أن الداعين لإنشاء الاتحاد القبطي العالمي قد أعلنوا منذ اللحظة الأولي أنهم يريدون السير علي نهج الحركة الصهيونية العالمية ، فكما أن الحركة الأخيرة تمكنت من إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واستعادت لغتهم ، فما المانع من أن يستردوا هم مصر من الغزاة المسلمين .
فمنهم من يحلم بالاستيلاء علي السلطة في مصر بمساندة غربية ، ومنهم من يفكر في الحكم الذاتي سواء بالتقسيم أو بغير تقسيم ، وإن كان هذا الهدف الأسمى مؤجل حتي تحين الفرصة المناسبة .
أما الهدف الحال فهو التحكم في مقاليد الأمور في مصر من خلال وضع الدستور الذي يرضيهم ، وأن تصدر التشريعات وفقا للنماذج التي يرونها عصرية متحضرة من وجهة نظرهم ، ولا يقيمون في هذا الشأن أي اعتبار للأغلبية المقيمة معهم في نفس الوطن ، والسبب في ذلك أنهم يرون أن هذه الأغلبية وافدة عليهم يطلقون عليها لفظ المحتل تارة والغازي تارة ، ومن ثم فهم أولي من الأغلبية بإدارة جميع الملفات.
وقرأنا الوسائل التي اقترحوها لتحقيق أهدافهم والتي تمثلت في الآتي :
- تدبير الأموال اللازمة لتحقيق الأهداف .
- توفير آلة إعلامية ضخمة تدفع في الاتجاهات المطلوبة .
- الاستعانة بالدول والمنظمات الدولية والشخصيات العامة في أي مكان ومن أي دين لتحقيق الأهداف .
- العزف علي أوتار الاضطهاد الذي يتعرض له الأقباط في مصر بشكل ثابت ومستمر لاستعداء دول الغرب المسيحي – اليهودي علي مصر والحصول علي أكبر دعم منهم .
- التركيز علي أن المسلمين غزاة وافدون بثقافة غريبة لا تمثل هوية مصر ، وهو الأمر الذي دعاهم إلي التمسك بإلغاء المادة الثانية من الدستور ، أما عن مفهوم هوية مصر ، فهو أمر يختصون به وحدهم ، فهي بلدهم وهم الذين يدركون ثقافتها وقيمها التي يعملون هم علي تثبيتها للأجيال القادمة .
- مهاجمة أحكام الشريعة الإسلامية ووصفها بالرجعية والتخلف والتمسك في مواجهتها بمرجعية علمانية لا تقيم وزنا للقيم الدينية أو الأخلاقية سواء الإسلامية أو المسيحية ، ففي الوقت الذي يعلن فيه نجيب ساويرس أنه يشعر بالاكتئاب حينما يري منقبة ، تمنح إحدى صحفه جائزة الأم المثالية لراقصة .
- مهاجمة تيار الإسلام السياسي بشكل مستمر ، ونسبة أي مشكلة طائفية في مصر له ، وتعمد الخلط بين بعض التيارات المتشددة في العالم وتيار الإسلام السياسي المعتدل الذي يؤمن بقواعد الديمقراطية ويراها تطبيقا عمليا لمبادئ إسلامية كالشورى والبيعة والعدالة وعلي رأسه الإخوان المسلمون ، والتحريض علي هذا التيار بطلب الزج به في السجون والتنكيل به ، ومحاصرة فكره ، ووأد أي مسعى له في أن يصبح رقما في معادلة السلطة ، والاستعانة في ذلك بالدول والمنظمات الأجنبية التي تتفق مصالحها مع هذه السياسيات ، وهذا ما تم تنفيذه بالفعل من سياسات قبل ثورة يناير المجيدة واستمر بعدها علي النحو الذي سوف نوضحه في المقالات القادمة .
- الاعتماد علي رجال الأعمال بشكل كبير لتنفيذ وتمويل أي من الخطوات السابقة.
- حث الأقباط علي المشاركة السياسية وإنشاء الأحزاب والتحرك في الشارع للممارسة الضغوط علي الدولة لتحقيق أي أهداف مطلوبة .
الحقيقة أن الأقباط حققوا نجاحا كبيرا في اتجاه تحقيق حلمهم الكبير ، وما الإنقلاب الذي وقع في مصر إلا نتيجة لتمكنهم خلال السنوات الماضية من السيطرة علي الإعلام في مصر وعلي كبار المسئولين ، وتمكنهم من توطيد علاقاتهم بكل الدول الكبري لاسيما المعادية للإسلام والمسلمين .
لم يتوقف الأقباط عن الحديث عن التطرف الإسلامي داخل مصر وخارجها في كل بقعة من بقاع العالم رغم أن مشاكلهم محدودة للغاية في مصر ، بينما لم نتطرق نحن المسلمون لتطرف الأقباط رغم أنهم شاركوا في انقلاب دموي ودعموا قتل إخوانهم المسلمين ، ولم تتوقف جولاتهم في الغرب يوما واحدا للحصول علي دعم غربي مستمر للانقلاب وجرائمه ولم توقفهم دماء إخوانهم في مصر عن دعم الانقلاب ولم يمنعهم عن هذا الدعم المعتقلات التي امتلأت بالمظلومين من خيرة أبناء مصر وبناتها ، لم يمنعهم تعذيب الإنسان الذي كرمه الله عز وجل علي العالمين .
هكذا يتضح لنا أن خيار الأقباط لم يكن أبدا التحالف مع إخوانهم المسلمين وتحقيق توافق شعبي دائم يزداد قوة مع الزمن ، كان خيارهم دائما أن يستعينوا علي إخوانهم المسلمين بحليف قوي يستطيع أن يخضع لهم الأغلبية ، تحالفوا مع الفرنسيين وتحالفوا مع الإنجليز ، وحين رحل أولئك وهؤلاء تحالفوا مع العسكر تحت رعاية الغرب للطرفين معا ، وظل هذا التحالف مستمر منذ عام 1952م ونكل الطرفان بكل مصري يقف في طريقهما لاسيما التيار الإسلامي وعلي رأسه الإخوان المسلمين ، وعندما نجحت الثورة في الإطاحة بمبارك عاد الحليفان واستردا حكم العسكر أيضا برعاية وتخطيط غربي .
أختم مقالي بعبارة موجزة " إن الوحدة الوطنية تقتضي صفاء النية " ، أما أن يُخدر الأخ أخيه بمعسول الكلام وهو يدبر له والناس نيام فهذا عواقبه ما يحدث في الدول المحيطة بنا التي نجح الغرب البغيض في إشعال الفتنة بين أديانها وفصائلها وعرقياتها حتي أصبحت خرابا وأطلالا وبيوتا مهدمة كانت في يوم من الأيام كبيوتنا هادئة آمنة مستقرة ، وهذا تحذيري لكل المصريين حتي نصحح اتجاه البوصلة قبل فوات الأوان .
لن تتحقق وحدة وطنية حقيقية حتي يؤمن الأقباط بضرورة التحول الديمقراطي في مصر ، وضرورة أن يكون خيارهم هو التوافق مع باقي الشعب أي إخوانهم من المسلمين وليس الإستعانة علي إخوانهم من الشعب بقوة غاشمة داخلية أو خارجية .
لابد أن يفهم إخواني الأقباط أن تصورهم بأن الديمقراطية سوف تؤدي إلي تحكم المسلمين في مصائرهم أو الإضرار بهم هو تصور ساذج لأنهم ليسوا أقلية بل مصريين ، وليسوا ضعفاء لأن الدولة لا يمكن أن تستقر إلا إذا كانوا راضين عن نظام الحكم ويعيشون في أمن وأمان ولا يُفرض عليهم ما لا يقبلون .
وللأسف الشديد إذا لم يقبل الأقباط هذه النصيحة وصمموا علي الهيمنة علي الأغلبية المسلمة من خلال الإستعانة بقوة العسكر وقوة الغرب وإعلام الإتحاد القبطي العالمي ، فإن المجتمع المصري كله مهدد بمزيد من الإنقسام والكراهية والتي لا يمكن أن يتكهن أحد إلي أين ستأخذ مصر .
إن الوحدة الوطنية تستغيث بكل المصريين فهل من مجيب قبل فوات الأوان ؟.
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
هل الأقباط - علي مدار تاريخهم مع المسلمين - يستعينون بجناح متشدد منهم يحققون به أهدافهم ، وفي نفس الوقت يزعمون أنهم يرفضون هذا التيار المتشدد ، ويوجهون له الإنتقادات ، وهو في حقيقة الأمر الذراع الأيمن لهم الذي لم يفرطوا فيه عل مر تاريخهم مع إخوانهم المسلمين ؟
أعتقد أن إجابة هذا السؤال مرت علينا فيما عرضناه من المؤتمرات القبطية الدولية ، وأنهم بالفعل يجعلون الإستعانة بالمتشددين أحد أعمدة التحرك في أنشطتهم ، مثل فكرة أقباط المهجر الذين لا يتورعون عن عمل أي شيئ يمكن أن يفيدهم في الضغط علي الدولة كاللجوء إلي حكومات الدول ، والمنظمات الدولية ، والإساءة للدولة و للمسلمين والتشنيع به ، والإدعاء في كل مكان بأن مصر ساحة للإضطهاد الديني ، وخطف المسيحيات وفرض الإسلام عليهن ، إلي آخر هذه الإدعاءات التي نعيشها منذ زمن بعيد .
أما السؤال الثاني :
هل أقباط مصر يظهرون للمسلمين المودة والتسامح فإذا ما وجدوا من يعينهم عليهم ، خلعوا وجه التسامح ، وأظهروا وجها عدائيا يستبيحون فيه الحرب عليهم والتخلص منهم والقضاءعليهم ؟
لعل السؤال سالف الذكر هو محاولة لفهم موقف الأقباط من الإنقلاب العسكري في مصر ، حيث شاركوا في تخطيطه ، وظهروا فيه علانية منذ اللحظة الأولي ، بتمثيل أعلي رأس مسيحية في مصر ، ثم تجولوا في العالم كله ، وحركوا مسيحيي مصر في كل دول العالم لعقد المؤتمرات والتنقل والزيارات لكل الجهات الحكومية وغير الحكومية الفاعلة لمطالبتهم بمساندة الإنقلاب الدموي الذي يُقتل فيه أبناء مصر المسلمون علي نحو لم يسبق له مثيل ، مستغلين في ذلك التعاطف الديني للغرب معهم بحكم وحدة الدين ووحدة المصالح .
أولا : الأقباط ودعم الإحتلال الفرنسي .
أعتقد أن دور المعلم يعقوب القبطي في مساندة الحملة الفرنسية يمكن أن يؤكد لنا الأمرين ، الأول أن الأقباط يستعينون بعناصر متشددة منهم ، ويقفون معها من وراء الكواليس ، والثاني أن الأقباط يظهرون لإخوانهم المسلمين المودة والتسامح ، فإذا وجدوا فرصة عليهم ليتمكنوا منهم ويتحكموا فيهم فإنهم لا يفوتونها بحال من الأحوال
سوف نعرض بحثا للدكتور/ راغب السرجاني عن شخصية المعلم يعقوب القبطي استعان فيه بأهم مرجع تاريخي عن حقبة الحملة الفرنسية علي مصر وهو عجائب الآثار في التراجم والأخبار للجبرتي ، والذي يسميه البعض " تاريخ الجبرتي " ، كما استعان بكتاب " المعلم يعقوب بين الأسطورة والحقيقة " للدكتور/ أحمد حسن الصاوي ، وكتاب شفيق غربال " الجنرال يعقوب والفارس لاسكاريس ومشروع استقلال مصر في سنة 1801 " .
كتب الدكتور راغب السرجاني مقالا بعنوان " المعلم يعقوب الخائن العميل " يقول فيه :
ولد يعقوب حنا في ملوي بصعيد مصر سنة 1745م تقريبًا ، وهو ينتمي إلى أسرة قبطية متوسطة الحال ، وقد تلقى في طفولته مبادئ القراءة والكتابة والحساب وحفظ بعض النصوص الدينية المسيحية ، وذلك في أحد الكتاتيب القبطية التي كانت منتشرة بصعيد مصر آنذاك.
وشأن كثير من الأقباط احترف يعقوب منذ صباه الباكر حرفة "الكتابة" وتحصيل الأموال وضبط الحسابات ، ومن هنا اتصلت أسبابه بالأغنياء وأهل اليسار، وانتهى أمره إلى العمل مع واحد من كبار أثرياء المماليك ، وهو سليمان بك أغا.
ومن خلال العمل في هذا المجال استطاع يعقوب أن يكتسب خبرة واسعة بالشئون المالية الإدارية ومعرفة عميقة بحياة عموم المصريين وأوضاعهم ، كما تمكَّن من جمع ثروة طائلة أورثته شيئًا غير قليل من الغرور والكبرياء ، فكان حريصًا على أن يبدو مختلفًا عن الآخرين من بني جلدته وأبناء طائفته ، مولعًا بالخروج على مألوف عاداتهم وما درجوا عليه ، فكان يخالفهم في الزيّ والهيئة وأسلوب الكلام وطريقة الحياة ، حتى إنه اتخذ امرأة سورية من غير جنسه يتسرى بها بطريقة غير شرعية .
ومن مظاهر اختلاف يعقوب عن سائر الأقباط : إتقانه بعض مهارات الفروسية وفنونها ، وقد اشتهر عنه نزوع إلى القتال والنزال . ومن ذلك أنه حارب بالفعل في صفِّ المماليك ضد قوات القبطان حسن باشا ، التي أرادت تثبيت الحكم العثماني في مصر قُبيل الغزو الفرنسي بقليل .
المعلم يعقوب ونابليون بونابرت:
كان "المعلم يعقوب" حين وصلت الحملة الفرنسية إلى مصر معدودًا من أثرياء القبط وزعمائهم المبرزين ، سواء في أقاليم الصعيد أو في القاهرة.
وكان الفرنسيون منذ اللحظة الأولى التي وطئت فيها أقدامهم مصر بحاجة إلى مساعدة الأقباط ؛ لأنهم كانوا على دراية كبيرة بشئون الإدارة المالية ، فهم الذين يسجلون الملكية الزراعية وهم الصيارفة وهم جباة الضرائب والأموال العامة ، وبعبارة أخرى : كان الأقباط يحتكرون البيانات الصحيحة بالدخل العام للبلاد ، وبالتالي فإنَّ تأمين الوجود المادي للجيش الفرنسي وتوفير الأموال اللازمة لتدبير احتياجاته يتوقف على مساعدة القبط للغزاة ، ومدى تعاطفهم معهم .
والحق أن بعض الأقباط لم يجدوا حرجًا في التعاون مع الفرنسيين ، ولم يؤرق ضمائرهم أن يكونوا ذراع المحتل الغاصب في جباية الأموال وتحصيل الضرائب ، ومن هنا قَبِل المعلم "جرجس الجوهري" أن يكون مسئولاً عامًّا عن تحصيل الضرائب العقارية ، كما قام في الوقت نفسه بتنظيم الموارد المالية.
أما "المعلم يعقوب" فقد بادر إلى عرض خدماته على الفرنسيين ، وكان مخلصًا في تعاونه معهم بقدر ما كان خائنًا للبلد الذي نشأ فيه ، والناس البسطاء الذين شبَّ بينهم ، سواء كانوا من المسلمين أم القبط المخلصين الذين أَنِفُوا أن يضعوا أيديهم في يد المحتل الفرنسي.
ومهما يكن من أمر، فقد وافق نابليون بونابرت على أن يرافق المعلم يعقوب الجنرال ديسيه في حملته على الصعيد ؛ نظرًا لسابق معرفته بأقاليم الصعيد ، واطلاعه على أوضاعها المالية والإدارية.
وقد بذل المعلم يعقوب جهودًا مضنية لإنجاح حملة ديسيه ؛ فأشرف على تجهيز ما يلزم الحملة ، وأمَّن لها طرق السير ، وتوفر على ضبط الشئون المالية والإدارية للأقاليم المفتوحة ، وعمل على التوفيق بين الأوامر الجديدة التي كان يصدرها الجنرال ديسيه والأنظمة القديمة المألوفة في البلاد
وكان يعقوب سخيًّا في مساعدته للفرنسيين أشد ما يكون السخاء ، إذ لم يكتف بتوظيف خبرته المالية والإدارية لصالحهم ، بل شارك في العمليات الحربية مشاركة فاعلة تنبئ عن نفسٍ حاقدة على الإسلام والمسلمين . وتقديرًا لحسن بلائه في المعارك منحه الجنرال الفرنسي سيفًا تذكاريًّا منقوشًا عليه (معركة عين القوصية - 24 ديسمبر 1798م ).
المعلم يعقوب والجنرال كليبر:
لم يكد يمضي عام على الغزو الفرنسي لمصر، حتى أدرك نابليون - بعد الصعوبات الهائلة التي تعرض لها هو وقواته - استحالة تحقيق حلمه في بناء إمبراطورية فرنسية بالشرق تكون مصر قاعدة لها ، ومن ثَمَّ كان بقاؤه في مصر عبثًا لا نفع من ورائه ، فعاد إلى فرنسا في مطلع أغسطس سنة 1799م تاركًا قيادة الحملة للجنرال كليبر، الذي قام بقمع ثورات المصريين في وحشية بالغة وقسوة سجَّل المؤرخون كثيرًا من مظاهرها.
وكان للمعلم يعقوب دور " قذر" في قمع الثورة وتعقُّب الثوار والقضاء عليهم ؛ حيث تحصن بداره في الدرب الواسع جهة الرويعي ، واستعد استعدادًا كبيرًا بالسلاح والعسكر المحاربين ، وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد ثورة القاهرة الأولى ، وقد انضم إلى المعلم يعقوب في حروبه ضد العثمانيين أو المماليك بعد نقض معاهدة العريش عددٌ من القبط والشوام والأروام .
وبعد نجاح كليبر في إخماد الثورة فرض على المصريين كثيرًا من الأموال عقابًا لهم ، وفي الوقت نفسه كافأ المعلم يعقوب على ما قدمه للفرنسيين من ألوان الدعم والمعونة العسكرية بأنَّ سلطه على المسلمين يفعل بهم ما يشاء.
ومن المؤسف حقًّا أن بعض الأقباط ونصارى الشام وخاصة من التحق منهم بخدمة الفرنسيين تطاولوا على المسلمين ، وأساءوا إليهم بالقول والفعل بعد إخماد ثورة القاهرة الثانية.
ويشير الجبرتي إلى تعسف الفرنسيين في تحصيل الأموال التي فرضوها على المصريين منوهًا بدور الأقليات المسيحية في ذلك : " وكل ذلك بإرشاد القبط وطوائف البلاد ( أي : الأقليات المسيحية ) ؛ لأنهم هم الذين تقلدوا المناصب الجليلة ، وتقاسموا الأقاليم ، والتزموا لهم بجمع المال . ونزل كل كبير منهم إلى إقليم ، وأقام بسرة الإقليم مثل الأمير الكبير، ومعه عدة من العساكر الفرنساوية ، وهو في أبهة عظيمة وصحبته الكتبة والصيارفة والأتباع والخدم والفراشون...
ويرسل إلى ولايات الأقاليم من جهته المستوفين من القبط أيضًا ، ومعهم العسكر من الفرنساوية والصرافين ، فينزلوا على البلاد والقرى ويطلبون المال والكلف الشاقة بالعسف ، ويؤجلونهم بالساعات ، فإن مضت ولم يوفوهم المطلوب حلَّ بهم ما حل من الحرق والنهب والسلب والسب".
المعلم يعقوب والفيلق القبطي :
وكذلك فقد منح الجنرال كليبر المعلم "يعقوب" رتبة كولونيل ، وجعله على رأس فرقة عسكرية من شباب القبط ، كان أمر تدريبهم منوطًا بعدد من الضباط الفرنسيين . ويذكر بعض مؤرخي الأقباط أن المعلم يعقوب هو الذي جهَّز هذا الفيلق القبطي بالسلاح والميرة من ماله الخاص . يقول الجبرتي :
" طلبوا - أي الفرنسيين - عسكرًا من القبط ، فجمعوا منهم طائفة وزيُّوهم بزيهم ، وقيدوا بهم من يُعلِّمهم كيفية حربهم ويدربهم على ذلك ، وأرسلوا إلى الصعيد فجمعوا من شبابهم نحو الألفين ، وأحضروهم إلى مصر وأضافوهم إلى العسكر".
ومعنى ذلك أن الفيلق القبطي الذي تزعمه المعلم يعقوب كان عبارة عن فرقة عسكرية مدربة ملحقة بالجيش الفرنسي ، أُنشئت لمعاونة الفرنسيين في حربهم ضد المماليك والعثمانيين.
والحق أن سياسة الفرنسيين في تجنيد بعض أبناء الأقليات الدينية في مصر لم تكن مقصورة على القبط ، بل اتسعت دائرتها لتشمل اليونانيين وغيرهم . وقد وقعت هذه السياسة من نفس يعقوب موقعًا حسنًا ، وصادفت منه تجاوبًا واهتمامًا ، وكما يقول الدكتور أحمد حسين الصاوي : " فإن الفرنسيين بخطتهم الاستعمارية ، ويعقوب بأحلامه وتطلعاته التقيا على إرادة واحدة تجسدت في إنجاز واحد هو تكوين الفيلق القبطي ".
وقد أراد الأستاذ شفيق غربال أن يمحو عن المعلم يعقوب وصمة الخيانة للأمة المصرية وخطيئة العمالة للإحتلال الفرنسي ، فحاول أن يجعل منه رائدًا للتحديث وداعية من دعاة الاستقلال عن المماليك والعثمانيين جميعًا ، عن طريق تكوين جيش مصري مدرب على الطراز الغربي يكون أداة لاستقلال مصر.
وهي محاولة لا تقوم على سند صحيح من التاريخ ، وتصوُّر يناقض المتواتر من روايات المؤرخين المعاصرين للحملة الفرنسية ، سواء كانوا من المصريين أو الفرنسيين أنفسهم ؛ فالمعلم يعقوب في ضوء الروايات قبطي مارق وضع يده في يد المحتل الفرنسي ، وكان حربًا على أمته .
وأعجبُ من محاولة الأستاذ غربال تصوير يعقوب في صورة المصري الوطني والمناضل الغيور على أمته الحريص على استقلالها ، غمزُه للسيد عمر مكرم بأنه مثال لعالم الدين التقليدي الذي يركن إلى تهييج وإثارة عواطفهم دون وضع قاعدة سليمة للعمل السياسي الدائم . وثالثة الأثافي تقديم المعلم يعقوب الخائن على السيد عمر مكرم العالم المناضل المخلص الذي لا ينكر دوره الوطني المجيد إلا صاحب هوى .
ومهما يكن من أمر ، فقد مكث المعلم يعقوب بالقاهرة على رأس الفيلق القبطي المساند للإحتلال الفرنسي ، المؤيِّد لخططه وبرامجه.
المعلم يعقوب في عهد منو:
ولم يكد كليبر ينجح في قمع ثورة القاهرة الثانية حتى اغتيل على يد سليمان الحلبي في 14 يونيو 1800م ، فآلت قيادة الحملة إلى جاك منو . وقد ظل المعلم يعقوب في عهد " منو " يؤدي مهمته في خدمة السلطات الفرنسية ، ويتفانى هو وأعوانه في أداء هذا العمل على حساب أمن المصريين وسلامتهم وحرياتهم وكرامتهم وحرمة بيوتهم وأموالهم ".
والحق أن تعاون هؤلاء الخونة مع الفرنسيين لم يكن نابعًا من مجرد التعصب الديني فحسب ، بل كان يغلب عليه الطمع والأثرة العمياء التي تجرد النفوس من المشاعر الإنسانية الطيبة . وقد واصل هؤلاء تعسفهم في جمع الأموال التي فرضها الإحتلال الفرنسي على المصريين .
في عهد (منو) استمر يعقوب وأعوانه في تقديم المساعدة العسكرية للفرنسيين ، حيث قاموا بتحصين القاهرة في وجه العثمانيين عندما اقتربوا منها للمرة الثانية (مايو 1801م). وفي ذلك يقول الجبرتي :
" توكل رجل قبطي يقال له عبد الله من طرف يعقوب بجمع طائفة من الناس لعمل المتاريس ، فتعدى على بعض الأعيان ، وأنزلهم من على دوابهم وعسف وضرب بعض الناس على وجهه حتى أسال دمه ، فتشكى الناس من ذلك القبطي...".
ومن المؤسف حقًّا أن بعض المسلمين كانوا من أعوان يعقوب في قهر المصريين وإذلالهم ، ويذكر الجبرتي منهم رجلاً يُدعى مصطفى الطاراتي ، وكان من موظفي الإدارة العثمانية ثم التحق بخدمة الفرنسيين ، وقد تم القبض عليه وإعدامه في ميدان باب الشعرية بعد رحيل الحملة الفرنسية.
وتقديرًا لإخلاص المعلم يعقوب للفرنسيين وما قدمه لهم من ألوان الدعم والمساندة ، فقد منحه "منو" رتبة جنرال في مارس 1801م.
المعلم يعقوب والأيام الأخيرة للحملة الفرنسية:
تحرَّج موقف الفرنسيين نتيجة الضغوط العسكرية التي مارسها عليهم العثمانيون والإنجليز ؛ حيث زحف الجيش العثماني نحو القاهرة ، في حين زحف الجيش الإنجليزي من رشيد بعد أن فرض حصارًا على "منو" في الإسكندرية. وزاد من صعوبة الموقف الفرنسي انتشار مرض الطاعون في صفوف الجند وحصده أرواح كثير منهم ، ومن ثَمَّ لم يجد الفرنسيون بدًّا من الدخول في مفاوضات مع العثمانيين والإنجليز، وهي المفاوضات التي أثمرت عن توقيع اتفاق الجلاء عن مصر.
وقد تضمنت اتفاقية الجلاء مادتين مهمتين تتعلقان بوضع عملاء الفرنسيين ومعاونيهم من قبط مصر وغيرهم إبان فترة الإحتلال ، وهاتان المادتان هما :
1- كل من أراد من أهل مصر أيًّا كان دينه أن يصحب الفرنسيين في عودتهم إلى فرنسا ، فله ذلك.
2- كل من التحق بخدمة الفرنسيين لا يكون قلقًا على حياته أو ممتلكاته.
وهكذا فقد أَمِن على نفسه وماله وعياله كل من تعاون مع الفرنسيين إبان الإحتلال. وقد أعطي الأمير المملوكي إبراهيم بك أمانًا لأكابر القبط ، فخرجوا وسلموا ورجعوا إلى دورهم .
وقد قرر عدد غير قليل ممن كان يتعاون مع الفرنسيين الرحيل معهم إلى فرنسا ، وعلى رأس هؤلاء المعلم يعقوب الذي خرج بمتاعه إلى الروضة في صحبة عدد كبير من عسكر القبط ، فاجتمعت نساؤهم وأهلهم وتوجهوا إلى القائد الفرنسي "بليار" يبكون ويرجونه أن يدع هؤلاء القبط الفارين ، فوعدهم بليار أن يرسل إلى يعقوب يأمره بألاَّ يجبر من لا يريد السفر معه.
ومع ذلك فقد آثر الهجرة إلى فرنسا جمهور غفير من القبط والأروام ونصارى الشام وتجار الإفرنج وبعض المسلمين ممن كانوا يتعاونون مع الفرنسيين ، بيد أن الجبرتي يذكر أنه بعد مرور نحو شهر من خروج هؤلاء المهاجرين إلى القاهرة "حضرت جماعة من عسكر القبط الذين كانوا ذهبوا بصحبة الفرنساوية ، فتخلفوا عنهم ورجعوا إلى مصر".
ومعنى ذلك أن جزءًا من عسكر الفيلق القبطي التابع للمعلم يعقوب تراجع عن قرار الهجرة وقرر البقاء في مصر. ومما ساعد على ذلك حرص العثمانيين على تكرار المناداة بالأمان وإشاعة جو من التسامح والتجاوز عن الماضي وبدء صفحة جديدة في العلاقات بين مختلف طوائف السكان. وكان العثمانيون يهدفون من وراء هذه السياسة إلى اكتساب تأييد أهل مصر جميعًا ، ومنع وقوع أي منازعات طائفية تضرُّ بأمن البلاد.
ويذكر الجبرتي أنه بعد مرور شهر من توقيع إتفاقية الجلاء عن القاهرة " نُودي بأن لا أحد يتعرض بالأذية لنصراني ولا يهودي ، سواء كان قبطيًّا أو روميًّا أو شاميًّا ؛ فإنهم من رعايا السلطان ، والماضي لا يعاد ".
ولم تكن إذاعة هذا الأمان مقصورة على القاهرة ، ولكنها شملت عددًا من أقاليم الوجه البحري والقبلي ، وهو الأمر الذي سمح للأقباط بالعودة مرة أخرى إلى مزاولة وظائفهم الإدارية والمالية.
أما المعلم يعقوب فلم يتراجع عن قرار الهجرة إلى فرنسا ، وقد رافقه من أسرته والدته وزوجته وابنته وأخوه حنين ، وابن أخته غبريال.
ومن الجدير بالذكر أن السلطة العثمانية أرسلت إلى القائد الفرنسي " بليار " تطلب منه أن يحاول إقناع المعلم يعقوب بالبقاء في مصر لتنتفع بخبراته المالية والإدارية ، ولكن المعلم يعقوب رفض البقاء رفضًا قاطعًا ؛ لأنه خشي أن تكون دعوة العثمانيين له بالبقاء مؤامرة قد تودي بحياته ؛ جزاء خيانته لوطنه وأمته إبان الإحتلال الفرنسي .
وفي العاشر من شهر أغسطس أبحرت السفينة الفرنسية "بالاس" تحمل على متنها فيمن تحمل المعلم يعقوب ورفاقه ، وبعد إقلاعها بيومين نزل عقاب السماء بالخائن يعقوب ، حيث أصيب بحمى شديدة ومات في عرض البحر بعد أربعة أيام . وظلت جثته على ظهر السفينة حتى مرسيليا حيث دفن هناك.
وفي ذات الإطار يقول الدكتور/ هاني السباعي مدير مركز المقريزي للدراسات التاريخية بلندن تحت عنوان " الحملة الفرنسية ودور الأقباط فيها " :
من منا لا يعرف ( المعلم يعقوب حنا القبطي ـ وملطي ـ وجرجس الجوهري ـ وأنطوان الملقب بأبي طاقية ـ وبرتيلمي الملقب بفرط الرومان ، ونصر الله النصراني ترجمان قائمقام بلياز، وميخائيل الصباغ وغيرهم من زعماء النصارى ) الذين كانوا يعملون مع المحتل الفرنسي لمصر .
لقد استغل نصارى مصر إحتلال نابليون لمصر فتقربوا إليه واستعان بهم ليكونوا عيون جيشه حيث كانوا يرشدونهم على بيوت أمراء المماليك ورجال المقاومة الذين كانوا يجاهدون الفرنسيس ، وكل ذلك ثابت لدى الجبرتي في عجائب الآثار ، ونقولا الترك في ( أخبار الفرنساوية وما وقع من أحداث في الديار المصرية ) ، إذ يؤكد المؤرخان المعاصران للحملة الفرنسية أن نابليون استقدم معه جماعة من نصارى الشام الكاثوليك كتراجمة بالإضافة إلى استعانته بنصارى مصر ( الأرثوذكس ) وقد ذكر الجبرتي المعلم يعقوب القبطي الذي كان يجمع المال من الأهالي لمصلحة الفرنسيس ، بل إن المعلم يعقوب وصل به الأمر أن كون فرقة من الأقباط لمعاونة المحتل إذ يقول الجبرتي : " ومنها أن يعقوب القبطي لما تظاهر مع الفرنساوية وجعلوه ساري عسكر القبط جمع شبان القبط وحلق لحاهم وزياهم بزي مشابه لعسكر الفرنساوية ، وصيرهم ساري عسكره وعزوته وجمعهم من أقصى الصعيد ، وهدم الأماكن المجاورة لحارة النصارى التي هو ساكن بها خلف الجامع الأحمر ، وبنى له قلعة وسورها بسور عظيم وأبراج وباب كبير "
بل إنهم كانوا يقطعون الأشجار والنخيل من جميع البساتين كما تفعل قوات الإحتلال في فلسطين والعراق ، ولم يتورعوا في هدم المدافن والمقابر وتسويتها بالأرض خوفاً من تترس المحاربين حسب وصف الجبرتي.. حتى قال " وبثوا الأعوان وحبسهم وضربهم ، فدهى الناس بهذه النازلة التي لم يصابوا بمثلها ولا ما يقاربها "
بل كان زعيمهم ( برتيلمي ) الذي تلقبه العامة بفرط الرومان لشدة إحمرار وجهه ؛ كان يشرف بنفسه على تعذيب المجاهدين ، وهو الذي قام بحرق المجاهد سليمان الحلبي قاتل كليبر، وكان هذا البرتيلمي يسير في موكب وحاشية ويتعمد إهانة علماء المسلمين ويضيق عليهم في الطرقات محتمياً في أسياده الفرنسيس تماماً مثل ما يحدث في العراق اليوم من خلال الجواسيس الذين يعملون مع الإحتلال الأمريكي الذين يرشدون قوات الإحتلال على بيوت المقاومين .
ويتابع الدكتور / هاني السباعي :
نص عريضة زعماء الأقباط إلى الجنرال منو:
"حضرة ساري عسكر العام :
إن جنابكم من قبل ما فيكم من العدل والحلم والفطنة ، أرسلتم تسألونا بأن نوضح لكم ما نحن به من القهر، نحن قبل الآن لم نقصد كشف جراحنا التي كانت في كل يوم تتسع شيئاً فشيئاً ؛ أولاً تسليماً للمقادير ، وعشماً بكون كل واحد منا يرجع لذاته ويحاسب نفسه. تأنياً (ثانيا) خوفاً من أن يقال عنا أننا نحب السجس ( الظلم ) ونواخد ( نؤاخذ ) بذلك من الحكام . ثالث ( ثالثا ) ليلى ( لئلا ) يتضح كأننا أخصام لأخوتنا وقاصدين الشكوى عليهم ، ولكن من حيث جنابكم أبو الجميع وطبيب الرعايا ، وقد زاد علينا الحال حتى ظهرنا من جملة العصاة على أوامركم وقد قاصصتمونا لذلك ، فاقتضى الحال أن نستغيث بكرسيكم ، تعيّنوا بأمركم أناساً من أهل الفطنة خاليين الغرض ممن ترونهم أنتم ، يقعدوا في ما بيننا ، ويتبصروا في حال حسابنا وفي النهاية بعد أن يردوا الجواب لجنابكم لكم التبصر فيما تأمرون به ، ومع ذلك فنرجوكم بأن لا تظنوا بكوننا قاصدين بعرضحالنا الشكوى على أحد أم قصاصه بل قصاصنا نحن بوجه خاص إنكان (إن كان) يظهر كلامنا هذا بخلاف الواقع ، ثم إن هذا الأمر يدركه أيضاً خادمكم الخاص حضرة الجنرال يعقوب ومع ذلك لأجل طبعه الوديع محتار كيف يتصرف في مثل هذه الدعوى ، والله تعالى يحفظكم . من عند توابعكم المباشرين : ملطي وأنطوان "
ويتابع الدكتور / هاني السباعي قائلا : مع العلم أن ملطي هذا كان من أكبر زعماء الأقباط وقد ظهر نجمه في أيام الإحتلال الفرنسي لمصر ، وقد تولى في عهد نابليون رئاسة محكمة القضايا ، وهي أول محاولة لتنحية الشريعة الإسلامية في مصر ، لأن هذه الهيئة كانت تتكون من إثني عشر تاجراً نصفهم من المسلمين والنصف الآخر من النصارى ، وأسند منصب رئيس المحكمة إلى قاضي قبطي هو / الملطي الموقع على العريضة السابقة للجنرال مينو الذي خلف كليبر في الحكم ، وكذلك صديقه / أنطوان الذي كانت تلقبه عوام المصريين بأبي طاقية ، وكان من كبار زعماء الأقباط وأكثرهم غنى ، وأما الجنرال يعقوب فهو نفسه المعلم يعقوب حنا رجل الإحتلال الفرنسي وخادمهم المخلص الذي رحل معهم إلى فرنسا..
ويتابع الدكتور / هاني السباعي هكذا لم يثبت تاريخياً أن النصارى قاوموا الإحتلال الفرنسي وأن حكاية اختراع بطولات وهمية مثل أن بعض الأقباط في ثورة القاهرة الثانية كان يمد الثوار بالمال واللوازم خاصة في منطقة بولاق أثناء حصار كليبر لأهالي بولاق ، فيناقضها شهادة الجبرتي الذي قال : " وأما أكابر القبط مثل جرجس الجوهري ، وفلتيوس ، وملطي فإنهم طلبوا الأمان من المتكلمين من المسلمين لكونهم انحصروا في دورهم وفي وسطهم وخافوا على نهب دورهم إذا خرجوا فارين ، فأرسلوا إليهم الأمان " .
إذن ما دورهم في مقاومة الإحتلال الفرنسي إلا الفزع والهلع وطلب الأمان ، ثم صاروا العين الحارسة لمصالح الإحتلال ، بل إن زعيمهم المعلم يعقوب حنا كان شغله الشاغل هو حرب زعيم المجاهدين في منطقة بولاق / حسن بك الجداوي ؟ لماذا ؟ لأن حسن بك الجداوي كان يطلب من الأغنياء مساعدة المجاهدين لشراء أسلحة وبارود وذخائر ومؤن وكل مستلزمات المقاومة فكان من يدفع منهم مالاً كان لصيانة نفسه وخوفه من انتقام المقاومين الذين كانوا متترسين في منطقة بولاق بالقاهرة وضواحيها لذلك قال الجبرتي في عجائبه : " وأما المعلم يعقوب فإنه كرنك في داره بالدرب الواسع جهة الرويعي ، واستعد استعداداً كبيراً بالسلاح والعسكر المحاربين ، وتحصن بقلعته التي كان شيدها بعد الواقعة الأولى ، فكان معظم حرب حسن بك الجداوي معه " ، هكذا استعد المعلم يعقوب لزعيم المجاهدين المسلمين وليس لجيش الإحتلال الفرنسي .
أما الدكتور / أحمد غباشى مدرس التاريخ الحديث والمعاصرعضواتحاد المؤرخين العرب فيقول :
" ومع دخول الفرنسيين أنضم إليهم الأقباط على أساس أنهم المخلصين لهم من هذه القيود ، وأستعملهم الفرنسيون في جمع الضرائب وجبايتها كما عين بونابرت أحد أعيان الأقباط وهو جرجس الجوهري لتأثيث مصر محمد الألفي .
كما ألقى نابليون القيود المفروضة عليهم في الملعب وغيرها ، كما اشركهم في الدواوين التي أنشأها ، وعندما أنشأ المحكمة التجارية عين ستة تجار من الأقباط ، وستة من المسلمين وعين المعلم ملطى القبطي رئيساً لها.
ومن الأمور الهامة هو التعاون العسكري بين مجموعة من الأقباط والفرنسيين والمعروفة بحركة الجنرال يعقوب أو الفيلق القبطي ، إلى حد أنهم إتخذوا لأنفسهم زياً عسكرياً مماثلاً للجيش الفرنسي ، ولكن معظم الأقباط عارضوا سياسة الجنرال يعقوب وأدانوها في مناسبات عديدة .
ويذكر " كتاب تاريخ الأمة القبطية " أن رجال الدين لم يكونوا راضيين عن الجنرال يعقوب ، وأنه كان بينه وبين البطريريك مرقص الثامن مشاحنات ومنازعات بلغت حد دخول يعقوب الكنيسة مرة وهو راكب جواده رافعاً سيفه ، ووجه الأنبا مرقص الثامن رسالة إلى الأقباط في أعقاب خروج الحملة الفرنسية هاجمه فيها بأسس ما ظهر في الفترة الأخيرة من ظواهر : -
" إننا نتعلم عادات الأمم الغربية ولازمنا معاشرة فاعلى الشر ، وأبدلنا حب بعضنا بعضاً بالعداوة ، وكل ذلك ونحن لا نرجع عن فعلنا الردئ . وأما نحن فلسنا مثابرون على الأعمال الصالحة بل على عكس المقومات كلها , وأضعنا تدبير حياتنا فيما لا ينفع ولا يبنى ، فلا الشيخ يستحي من شيخوخته ولا الشباب يشفق على شبابه ولا النساء تستحي من بعولتهن ، ولا العذراء من بتولتهن .
ولم يكن المعلم يعقوب فقط وإنما إنضم عدد من الأقباط إلى الفرنسيين مثل المعلم كاريوس حنين ، والمعلم غبريال سيدراوس ، والقس حنا راعي كنيسة منفلوط " .
ثانيا : الأقباط ودعم الإحتلال الانجليزي .
أما عن دور الأقباط وموقفهم من الإحتلال الإنجليزي ، فيقول الدكتور / أحمد غباشي :
فقد عملت بريطانيا منذ بداية إحتلالها لمصر على إتباع عدة سياسات من أجل إحكام السيطرة على مفاصل الدولة المصرية ، أهمها صبغ كل مؤسسات الدولة بالصبغة الإنجليزية ، والسيطرة على الحاكم من خلال مبدأ إننا لا نحكم مصر بل نحكم من يحكمون مصر ، وكانت السياسة الأهم هي سياسة فرق تسد بين عنصري الأمة من المسلمين والأقباط .
رحب بعض الأقباط بالقدوم الإنجليزي على مصر الذين توقعوا عهداً جديداً من الحرية بقدوم البريطانيين الذين يشاركونهم الدين ، وقد أوضح الدكتور جلال يحيى في كتابه المدخل في تاريخ العالم العربي الحديث ( أن الإستعمار البريطاني استغل هذه الظروف من التناقض بين عنصري الأمة في زيادة إحتدام نيرانها ، وأوعز بأن الحركة الوطنية تعني إخضاع الأقلية المسيحية لحكم إسلامي ).
ويتابع الدكتور/ أحمد غباشي قائلا :
حادثة دنشواى كانت بداية الشقاق ، فقد كان من نتائج هذه الحادثة اشتداد ساعد الحركة الوطنية ، وظهور الأحزاب ، فعمد الإنجليز إلى إيجاد نوع من الخلاف بين المسلمين والأقباط لضرب الحركة الوطنية ، محاولين الإيهام بأنه لاحياة لهم إلا في ظل الإحتلال ، وبالتالي تنشغل الأمة المصرية بقضية أخرى غير التفكير في الجلاء والإستقلال وهنا وجه عبد الله النديم حديثة إلى الأمة المصرية .
ومن أسباب الشقاق أيضا ما زعمته إيطاليا من أن مشروع الجامعة الاسلامية لمصطفى كامل وحركته الوطنية ذات مضمون طائفي على الرغم من وجود بعض الأقباط مثل ويصا واصف باشا.
ومن أسباب الفتنة أيضا الحزب المصري لأخنوخ فانوس زعيم الطائفة الإنجيلية الذي تلقى تعليمه في المدرسة الإنجيلية بأسيوط ، وأكمله بالجامعة الأمريكية ببيروت ، وهو أحد أسباب وأوائل من أحدثوا شقاق طائفي في مصر ، رغم كونه غير تابع للكنيسة القبطية الأرثوذكسية دينا وتعليماً ، إذ تربى في أحضان إرساليات التبشير الأجنبية.
كانت الصحافة مسرحاً آخر للفتنة الطائفية والحرب الكلامية ، وكانت صحيفتي تادرس المنقباوي (مصر) و (الوطن) لسان حال الأقباط ، في المقابل كانت المؤيد للشيخ على يوسف اللواء لسان الحزب الوطني .
وبدأ الإستفزاز من جريدتي مصر والوطن في نشر المقالات المسيئة للإسلام والتي تهاجم الإسلام هجوماً عنيفاً ، بالإضافة إلى نشر سيل من البرقيات مثل ( قلق الأقباط العظيم ) ( ما يجب على الأقباط ) ومنها من رأى الإلتجاء إلى دولة قوية لتكون عنصراً للأقباط ، ومنهم من رأى اللجوء إلى وزير خارجية إنجلترا ، والمعتمد البريطاني .
في 22مايو 1908: نشرت ( مصر ) مقالة تهاجم فيها من وطئت أقدامهم أرض مصر من بدء الإسلام إلى اليوم العرب و الترك و الفرنسيين والإنجليز ، وهاجمت فكرة الجامعة الإسلامية .
في 15يونيه 1908 نشرت جريدة الوطن مقالة للصحفي فريد كامل بعنوان ( الإنسانية تتعذب ) أساء فيه للتاريخ الاسلامي ، وجاء الرد من الشيخ عبد العزيز جاويش بمقالة في جريدة اللواء بعنوان ( الإسلام غريب في بلاده ) تكلم فيها بلهجة قاسية.
كان أخنوخ فانوس قد أنشأ الهيئة التي سميت مجتمع الإصلاح القبطي وجعل وظيفتها إشعال روح الفرقة بين المسلمين والأقباط .
في يناير 1910 دعا لطفي السيد إلى الإحتفال بعيد الهجرة النبوية وحضر الإحتفال (مرقص حنا) ووقف خطيباً يقول:-
أن السنة الهجرية سنة المصريين جميعاً يحتفل المسلمين والمسيحيين ، لأنه إحتفال الدين شريف مبدؤه أن محبة الوطن من الإيمان وعلى هذا المبدأ أقول إنني مسلم ومسلم ، مهما قيل ويقال عن تقاطعنا وتدابرنا ، فنحن أخوان في الوطن ، فإذا حدث خلاف بين مصريين ومصريين فلا يعد ذلك دليلاً على عدم وجود إخاء ، وإنما هو من مستلزمات الحياة .
وقد شنت جريدة الوطن هجوما عليه وأسمته يهوذا الأسخريوطي .
ويتابع الدكتور / أحمد غباشي قائلا :
ومن أسباب الفتنة أيضا حادث إغتيال بطرس غالي ، ولعل من أسباب إسناد الخديوي عباس حلمي لبطرس غالي تشكيل الوزارة 1908 ، هو أن يثبت لأوروبا أنه لا توجد في مصر أزمة طائفية.
وقد أُغتيل بطرس غالي على يد الشاب المصري إبراهيم الورداني في 21 فبراير 1910والذي قيل أنه كان من أعضاء جمعية سرية تدعى جمعية التضامن الأخوي ، وتعتبر هذه الحادثة هي أولى حوادث الإغتيالات السياسية التي وقعت في تاريخ الحركة الوطنية في العصر الحديث باستثناء حادث اغتيال الجنرال كليبر ، وقد أورد الورداني في التحقيقات أسباب الإغتيال فيما يلي :
1) إتفاقية الحكم الثنائي على السودان 1899 عندما كان وزيراً للخارجية.
2) أن بطرس غالي رأس محكمة دنشواي 1906 والتي أصدرت أحكامها الجائزة بإعتباره وزيراً للحقانية بالنيابة.
3) سعيه لمد إمتياز قناة السويس 40 عاماً.
زعمت الصحف القبطية أن الدافع وراء ارتكاب الجريمة هو التعصب الديني ، وأن بطرس غالي لم يقتل إلا لأنه قبطي ، وراحت تكيل التهم للمسلمين عامة وللحزب الوطني ورجاله وصحافته خاصة.......
وفي غضون هذه الأزمة أخذت الصحف القبطية تدافع عن الإحتلال ووجوده في مصر ، حيث دعت جريدة "مصر" إلى التسبيح بحمده لأن في ذلك حماية للأقباط ، وأن الأقباط كانت حياتهم عرضة للإباده لو أبطأ المحتلون في دخول البلاد أسبوعاً واحداً.
وأخذت جريدة المقطم تنشر الروايات المختلفة والمهيجة لمشاعر المسيحيين المصريين ، وراح فانوس يدعو للإحتلال وبأنه لا سلامة للأقباط إلا مع الإحتلال .
ونتيجة لتصاعد الأحداث تم الدعوة إلى عقد المؤتمر القبطي سنة 1911 وفي نفس التوقيت تم عقد المؤتمر المصري أو الإسلامي ، وكتب أحمد شوقي داعياً إلى الوحدة الوطنية قائلاً :
تعالوا عسى نطوي الجفاءَ وعهدَهُ
وننبـذُ أسبــابَ الشقــاقَ نــواحـيا
ألم تــكُ مصـرُ مهدنــــا ثم لحدُنا
وبينهـــم كانـــت لكـــــــل مُعانيـا
اعتمد الإحتلال البريطاني على إصدار صحف خاصة مثل جريدة « المقطم » التي أصدرها يعقوب صروف وفارس نمر وشاهين مكاريوس والتي نشرت صراحة على صفحاتها أن الغرض السياسي من تأسيسها معلوم وظاهر، وهو تأييد السياسة الإنجليزية .
لقد كانت جريدة المقطم هي لسان حال الإحتلال الإنجليزي والأقباط معا ، يقول الدكتور محمد عمارة في مقاله " جيوش الثقافة وجيوش الإحتلال " المنشور علي بوابة الأهرام :
ولقد أنشأ هذا الجيش الثقافي ـ بمصر ـ العديد من المنابر الثقافية والصحفية , من أشهرها مجلة المقتطف ـ التي استمرت تصدر من سنة 1876م حتي قيام ثورة يوليو سنة 1952م ، والتي كانت تدس سم الإلحاد في عسل النظريات العلمية الحديثة ، وكذلك صحيفة المقطم التي صدرت سنة 1889م وحتي ثورة يوليو سنة1952 م ، والتي كانت لسان حال الإستعمار الإنجليزي ودار المعتمد البريطاني بمصر!.. وكان القائمون علي هذه المنابر الثقافية والسياسية هم ـ أيضا ـ من خريجي مدارس الإرساليات الكاثوليكية الفرنسية ـ يعقوب صروف (1852ـ1927م) وفارس نمر(1856ـ1951م) وشاهين مكاريوس (1853ـ1910م ) .
ولأن عبدالله النديم كان أحد المعبرين عن ضمير الأمة وهويتها العربية والإسلامية فلقد تصدي لهذا الجيش الثقافي الذي زحف علي مصر المحروسة ، فكتب يصف القائمين علي مجلة المقتطف بأنهم : أعداء الله وأنبيائه والأجراء الذين أنشئوا لهم جريدة جعلوها خزانة لترجمة كلام من لا يدينون بدين , فمن ينسبون معجزات الأنبياء إلي الظواهر الطبيعية والتراكيب الكيماوية , ويرجعون بالمكونات إلي المادة والطبيعة منكرين وجود الإله الحق . وقد ستروا هذه الأباطيل تحت اسم فصول علمية , وما هي إلا معاول يهدمون بها عموم الأديان !
أما صحيفة المقطم ـ العاملة في خدمة الإحتلال الإنجليزي فلقد تحدث النديم عن أصحابها وكتابها فوصفهم بأنهم الأجراء الخونة , عملاء الأجانب الذين خانوا وطنهم وأهلهم وداروا حول أبواب الإنجليز , فخوفوهم من المصريين , حتي أبعدوهم عن الخدمة وحشدوا مكانهم الغرباء حتي كأن ثمرة مصر ما حرمت إلا علي أبنائها ، وهم يستدعون أوروبا علي مصر بدعوي المحافظة علي الأمن والخوف من الحركات الدينية ، فهم أعداء المصريين , العاملون علي شق عصا الإجتماع الشرقي !
هكذا مولت فرنسا العلمانية مدارس الإرساليات الدينية لتخريج الجيش الثقافي المتفاني في خدمة الحضارة المسيحية لأوروبا ، والذي مهد الأرض لجيوش إحتلال الأرض ونهب الثروات !
يقول الأستاذ/ محمد شعبان صوان في مقال بعنوان " في ذكري وعد بلفور " وأثناء حديثه عن الشخصيات التي حضرت افتتاح الجامعة العبرية في القدس عام 1925م :
وشاركه في هذا الموقف جريدة المقطم وصاحبها فارس نمر الذي لم يكتف بتأييد الإحتلال البريطاني في مصر ، بل تعداه إلى تأييد الحركة الصهيونية وتبني مواقفها والعمل على تغذية الوعي الصهيوني بين أفراد الطائفة اليهودية في مصر ، وغيرها من البلاد العربية كما يقول الدكتور حسن صبري الخولي في ج 2 ص 3، وكانت المقطم ترى في وضع فلسطين تحت حكم الإنتداب ما لا يراه أهل فلسطين أنفسهم وتقارن بين حالة شعب فلسطين تحت حكم العثمانيين وحالته تحت حكم الإحتلال البريطاني بطريقة مناقضة لمقارنات أهل فلسطين التي مر ذكرها ، وهو ما يشير بوضوح إلى انفصال الصحيفة وصاحبها عن قضايا الأمة وتبنيها مصالح الغرب بانحياز حاسم .
وللأسف الشديد كنت قد قرأت كتاب " عرابي ورفاقه في جنة آدم "من تأليف الدكتورة / لطيفة محمد سالم أستاذ التاريخ المعاصر - طبعة دار الشروق ، وهو كتاب يتناول الفترة التي قضاها أحمد عرابي ورفاقه في المنفي ، حيث كان من بين ما قرأت فيه رسالة أرسل بها عبد الله النديم خطيب الثورة العرابية لأحمد عرابي يشرح له فيها فرحة الكنائس بالإحتلال الإنجليزي واحتفاؤهم بالضباط والجنود الإنجليز ، رسالة خطيرة في مضمونها وأسلوبها الذي يعكس ما بداخله من حزن وأسي قال فيها :
(( عندما دخل العُدوان وتربع الطُغام في الديوان تجملوا بالثياب وبرموا الأشناب ، انتفخوا بنفس الغير ، ونهقوا بصوت الحمير ، وتنهدوا فرحا ، واختالوا مرحا ، وجردوا سيوفهم التي ما سُلَّت ، وحركوا أيديهم التي قد غُلت ، وقابلوا الإنجليز بالولائم ، وتقربوا إليهم بالجرائم ، وقدم لهم المنافقون النفائس ، وصلَّت لهم النصاري في الكنائس ، وتلقوهم بالموسيقي والمغاني ، وتراقصوا معهم بالغواني كأنهم الظافرون بالإنجليز أو أنهم من غير الوطن العزيز ، وجمعوا نقودا من سائر الناس وصنعوا سيفا "لولسلي" وسيفا "لسيمور" وطبنجتين مرصعتن بالماس وكتب عليها مشير المنافقين " هدية ومعرفة جميل من المصريين " فدونوا لهم تاريخ ذلة بانتصارهم بعدو الملة .
ثم وضعوا الرحمة تحت نعالهم ، وجعلوا القسوة أجمل فعالهم ، وداروا حول حزبنا في البلاد يتصيدونهم في الأصفاد ثم ساقوهم إلي السجون وموارد المنون .
وقد خاطبوا العلماء خطاب الأسافل ، وأخرجوا الأشراف لكنس المزابل ، وأخذوا بالظن والتخمين ، وشنقوا الأبرياء من المسلمين فشنقوا اثني عشر رجلا في طندتا ( طنطا ) بشهادة إمرأة يهودية وتسعة بشهادة إلياس ملحمة في الإسكندرية وغيرهم في غير هاتين ممن لم تطرف لهم في الحركة عين .
وساقوا الشيخ عليشا إمام السنة إلي مستشفي قصر العيني في الدجنة كأنه مجرم أو لفيف أو أنه لم يكن حافظا الشرع الشريف ، وهناك جاءه العدو وسقاه فانتقل إلي رحمة الله وساقوا الشيخ العدوي وبقية العلماء وسجنوهم سجن الأدنياء لا دين يردعهم ولا وطنية تنفعهم ............
وإني لآسف علي يوسف أبي دية في غدوي ورواحي ، فإنه قتل ظلما بشهادة عبد الرحمن فايد وأحمد الصباحي ، وما أحسن ما أبداه من الثبات وهو تحت مشنقة الممات حيث قال له إبراهيم أدهم تريد شيئا نحضره إليك قبل أن يجري القضاء عليك ، فقال له وأي شيئ بعد أن قطعتم آمالنا ولكن اليوم لكم وغدا لنا .
كما آسف علي سليمان داود حيث قتل بلا شهود ، ولكنهم خافوا أن يثبت عليهم مذبحة الإسكندرية فعاجلوه بسوق المنية وكلنا بهذين الشهيدين مصابون إنا لله وإنا إليه راجعون .
ولا تسأل عن ظلم مشايخ القري وما ابتدعوه من الإفتراء فإنهم شفوا غيظهم من الأفراد وأظهروا كامن الأحقاد ، فكل من كان من حزبنا نهبوه ، وكل عدو لهم إلينا نسبوه ليتشفوا بالإنتقام أو بتقديمه إلي الحكام .
ولما انتهي أمر الإنتقام بالنفي والإعدام ظن الأعداء أن الجو قد خلا والوقت قد حلا ولم يعلموا أنهم يخادعون الله وهو خادعهم ويصدعون الدين وهو صادعهم فأطالوا النوم والغطيط والله من ورائهم محيط )).
سبحان الله التاريخ يعيد نفسه ، وتشعر أن عبد الله النديم يشرح ما يحدث الآن مع ثوار يناير ، والأقباط علي نفس الموقف مع الإنجليز ضد ثورة الشعب .
الحقيقة أنني أتعجب كيف أن الفتنة الطائفية في مصر كانت قد بلغت ذروتها عام 1911م حين دعا الأقباط إلي مؤتمر عام لهم ، ودعا المسلمون إلي مؤتمر عام لهم للأسباب التي ذكرناها ، ثم يكون دورهم في ثورة 1919م علي النحو الذي يتم تضخيمه إعلاميا ، كيف تصل مطالبة أذرعهم الإعلامية بدوام واستمرار الإحتلال الإنجليزي إلي قيام الساعة ، وفجأة يصبحوا علي قمة ثورة المطالبة بالإستقلال .
ربما يجيبنا عن ذلك الدكتور هاني السباعي بقوله :
" فلا غرو إذن أن يشارك الأقباط في ثورة 1919م ، لأنهم علموا بالتجهيزات التي يقوم بها المسلمون للثورة ويعلمون أن جماهير غفيرة من كل فئات الشعب ستشارك وأن انطلاقة الثورة ستكون من جامع الأزهر فكان لابد من المشاركة بأمر بعض زعمائهم ( على طريقة حساب المكسب والخسارة ) .
ثالثا : الأقباط ودعم الانقلاب العسكري .
لاشك أن تحليل الدكتور / هاني السباعي لموقف الأقباط من ثورة 1919م يتفق مع موقف الأقباط من الثورة ضد مبارك ، فهم في الحقيقة حلفاء للعسكر منذ عام 1952م ولا يرتضون شريكا غيرهم ، وهو بذاته موقف الغرب من حكم العسكر في مصر حيث يتمسكون بهم ويدعمونهم استنادا إلي لعبة المصالح ، فلو تتبعنا موقف نجيب ساويرس وهو أحد أهم رؤوس الحربة في الإتحاد القبطي العالمي ، سنجده قد أظهر تمسكه بمبارك وذرف الدموع علي قناة المحور مع الإعلامي / سيد علي تعاطفا مع مبارك ورفضا للثورة عليه ، وحين نجحت الثورة وأطاحت بمبارك أعلن نجيب ساويرس أنه من رموزها وكبار داعميها وفي نفس الوقت سارع ساويرس لمضاعفة قنواته الفضائية وصحفه وإنشاء حزب سياسي وكيانات سياسية أخري متعددة ، وسافر للعديد من الدول الغربية يحذرهم من حكم الإخوان ، وأن الإخوان سيقيمون دولة مثل دولة إيران وسيمثلون خطرا كبيرا علي مصالح الغرب ، وأخذ يجمع الأموال علانية لمحاربة الإخوان وإسقاطهم ، وسخر منظومة إعلام الإتحاد القبطي العالمي التي يجهل كثير من البسطاء في مصر أنها تسيطر علي الإعلام المصري سيطرة تامة من خلال إنشاء العديد من الفضائيات القبطية والصحف والمواقع الإلكترونية ، فضلا عن سيطرتهم بالمال علي الإعلاميين والصحفيين كما فعل اليهود وإلا فمن يفسر لنا سفر وائل الإبراشي لنجيب ساويرس في أوربا أكثر من مرة ، وظهور شخصيات سياسية وقضائية من المسلمين علي شاشات مسيحية لدعوة الأقباط للخروج علي الرئيس الشرعي . واستطاع نجيب ساويرس رجل المخابرات الأمريكية الأول في الشرق الأوسط باعترافه في فيديو لازال علي موقع " يوتيوب " بعنوان " بلا حدود - نجيب ساوير " ، استطاع أن يوفق بين كل شركاء الانقلاب في الخارج والداخل حتي أسقطوا الرئيس الشرعي المنتخب بعد أن أسقطوا البرلمان المنتخب من قبل واستعادوا حكم العسكر من جديد حيث لا يرضون بغيرهم بديلا ، فالعسكر هم شركاء الأقباط في إدارة شئون العالم الإسلامي كله علي النحو الذي يرضي الغرب والأقباط معا في مقابل الحصول علي الدعم الغربي لاستمرار حكم العسكر في مصر إلي أن تقوم الساعة .
نعم الحاجة أم الإختراع ، وما كنا لنبحث في صفحات التاريخ عن مواقف الأقباط ، لولا مواقفهم الحالية الداعمة لانقلاب عسكري دموي يفتك بخيرة أبناء وشباب المسلمين ، نعم شباب المسلمين ، لأن الأقباط أغلبهم مؤيد للإنقلاب وجميعهم في حالة وئام مع دولة مصر العسكرية ، كان لابد أن نبحث لنعرف ماذا يريدون من وراء الإستعانة بالعسكر لقتل المسلمين ، فوجدنا في صفحات التاريخ ما يرشدنا أنهم يسعون لوقوع مصر تحت الإحتلال الغربي الذي يرون فيه الخير لهم ، ومحققا لكل أهدافهم التي تحدثنا عنها في قرابة تسعة وعشرين مقال بعنوان " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية ".
لقد أيدوا الإحتلال الفرنسي ودعموه ، وأيدوا الإحتلال الإنجليزي ودعموه ، وعندما تحررت مصر من هذا وذاك ، تحالفوا منذ زمن بعيد مع العسكر علي فرض الهوية العلمانية علي مصر ، وسحق أي مسلم مصري يتحدث عن المرجعية الإسلامية ، وأصبح العسكر هم أداتهم وأداة الغرب لتسيير مصر علي هواههم ووفق إرادتهم لاسيما منذ بدأت المساعدات العسكرية للجيش المصري منذ عام 1979 .
الآن الغرب والأقباط معا يتمسكون بالعسكر ، وقرروا أن يخوضوا المعركة علانية ، ويؤيدون قتل المسلمين علانية ، حتي يحكموا مصر بالإشتراك مع الغرب من خلال العسكر كأداة تنفيذ ، وهذا الإتفاق علي هوي العسكر الذين لا يعنيهم سوي الإستمرار في السلطة والتحكم في ثروة الشعب المصري ونهبها ، والإستمرار في الحصول علي المساعدات العسكرية الأمريكية المعلن منها والخفي .
لكن الذي يجهله العسكر أو ربما يعلموه ولكنهم لا يبالوا به ، أن خطوة الإنقلاب قد نقلت شئون السياسة والحكم في مصر نقلة نوعية ، فقد أصبح الأقباط الآن هم الذراع الأولي فيما يتعلق بشئون السياسة والحكم ، كل ما يُنفذ علي الأرض نقرأه كمقترحات للشخصيات القبطية العامة أو أذرعهم الإعلامية قبل أن يتم الإعلان عن صدور قرارات أو قوانين بتنفيذه .
إذن وبعد أن وصل الأقباط إلي هذه الوضعية السياسية ، وبعد أن بدأوا يتحكموا في كافة الأعمال الخيرية ، بعد تنفيذ العسكر أوامرهم بغلق الجمعيات الخيرية الإسلامية ، ستكون الخطوة القادمة ، هي إزاحة العسكر ، وحكم الأقباط لمصر حكما مباشرا ، وليس هذا ببعيد ولا غريب ، فكثير من الدول تحكمها أقليات بدعم الدول الكبري وقوة السلاح .
وإذا كنا قد استعرضنا في هذا المقال دعم الأقباط للإحتلال الفرنسي ، ثم دعمهم للإحتلال الإنجيلزي ، فإن مجموعة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " توضح كيف أن الأقباط قاموا بنفس الدور في الإنقلاب العسكري ، ليردوا الحكم لحلفائهم وشركائهم العسكر الذي يحكمون لهم مصر علي الأسس التي يضعونها لهم بالإشتراك مع الغرب .
فالغرب لن يترك الحكم يؤول لغير العسكر وتضيع عليهم مليارات الدولارات التي أنفقوها علي قادة الجيش المصري منذ عام 1979م .
والأقباط لن يسمحوا بأي مظهر إسلامي في مصر ، ولن يسمحوا بأي روابط بين الشعوب الإسلامية ، ولن يفرطوا في أهدافهم المعلنة والخفية التي عرضنا لها في سلسلة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " .
وأتمني من القراء الدخول علي " مدونة النائب محمد العمدة " بكتابة إسمها علي محرك البحث " جوجل " ثم قراءة مجموعة المقالات المعنونة " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " لأنها سوف تكشف لكم الكثير مما تجهلون من مخططات تحاك في الظلام لتُلحق بمصر بمسلميها وأقباطها أشد الأضرار والمخاطر لأنها كفيلة بخلق دولة فاشلة أهلها متحاربون كتلك التي أفلحت الدول الإستعمارية في زراعة الفتن داخلها حتي أشعلتها نارا وحولتها رمادا .
وملخص سلسلة مقالات " الإتحاد القبطي العالمي والحركة الصهيونية العالمية " أن الداعين لإنشاء الاتحاد القبطي العالمي قد أعلنوا منذ اللحظة الأولي أنهم يريدون السير علي نهج الحركة الصهيونية العالمية ، فكما أن الحركة الأخيرة تمكنت من إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين واستعادت لغتهم ، فما المانع من أن يستردوا هم مصر من الغزاة المسلمين .
فمنهم من يحلم بالاستيلاء علي السلطة في مصر بمساندة غربية ، ومنهم من يفكر في الحكم الذاتي سواء بالتقسيم أو بغير تقسيم ، وإن كان هذا الهدف الأسمى مؤجل حتي تحين الفرصة المناسبة .
أما الهدف الحال فهو التحكم في مقاليد الأمور في مصر من خلال وضع الدستور الذي يرضيهم ، وأن تصدر التشريعات وفقا للنماذج التي يرونها عصرية متحضرة من وجهة نظرهم ، ولا يقيمون في هذا الشأن أي اعتبار للأغلبية المقيمة معهم في نفس الوطن ، والسبب في ذلك أنهم يرون أن هذه الأغلبية وافدة عليهم يطلقون عليها لفظ المحتل تارة والغازي تارة ، ومن ثم فهم أولي من الأغلبية بإدارة جميع الملفات.
وقرأنا الوسائل التي اقترحوها لتحقيق أهدافهم والتي تمثلت في الآتي :
- تدبير الأموال اللازمة لتحقيق الأهداف .
- توفير آلة إعلامية ضخمة تدفع في الاتجاهات المطلوبة .
- الاستعانة بالدول والمنظمات الدولية والشخصيات العامة في أي مكان ومن أي دين لتحقيق الأهداف .
- العزف علي أوتار الاضطهاد الذي يتعرض له الأقباط في مصر بشكل ثابت ومستمر لاستعداء دول الغرب المسيحي – اليهودي علي مصر والحصول علي أكبر دعم منهم .
- التركيز علي أن المسلمين غزاة وافدون بثقافة غريبة لا تمثل هوية مصر ، وهو الأمر الذي دعاهم إلي التمسك بإلغاء المادة الثانية من الدستور ، أما عن مفهوم هوية مصر ، فهو أمر يختصون به وحدهم ، فهي بلدهم وهم الذين يدركون ثقافتها وقيمها التي يعملون هم علي تثبيتها للأجيال القادمة .
- مهاجمة أحكام الشريعة الإسلامية ووصفها بالرجعية والتخلف والتمسك في مواجهتها بمرجعية علمانية لا تقيم وزنا للقيم الدينية أو الأخلاقية سواء الإسلامية أو المسيحية ، ففي الوقت الذي يعلن فيه نجيب ساويرس أنه يشعر بالاكتئاب حينما يري منقبة ، تمنح إحدى صحفه جائزة الأم المثالية لراقصة .
- مهاجمة تيار الإسلام السياسي بشكل مستمر ، ونسبة أي مشكلة طائفية في مصر له ، وتعمد الخلط بين بعض التيارات المتشددة في العالم وتيار الإسلام السياسي المعتدل الذي يؤمن بقواعد الديمقراطية ويراها تطبيقا عمليا لمبادئ إسلامية كالشورى والبيعة والعدالة وعلي رأسه الإخوان المسلمون ، والتحريض علي هذا التيار بطلب الزج به في السجون والتنكيل به ، ومحاصرة فكره ، ووأد أي مسعى له في أن يصبح رقما في معادلة السلطة ، والاستعانة في ذلك بالدول والمنظمات الأجنبية التي تتفق مصالحها مع هذه السياسيات ، وهذا ما تم تنفيذه بالفعل من سياسات قبل ثورة يناير المجيدة واستمر بعدها علي النحو الذي سوف نوضحه في المقالات القادمة .
- الاعتماد علي رجال الأعمال بشكل كبير لتنفيذ وتمويل أي من الخطوات السابقة.
- حث الأقباط علي المشاركة السياسية وإنشاء الأحزاب والتحرك في الشارع للممارسة الضغوط علي الدولة لتحقيق أي أهداف مطلوبة .
الحقيقة أن الأقباط حققوا نجاحا كبيرا في اتجاه تحقيق حلمهم الكبير ، وما الإنقلاب الذي وقع في مصر إلا نتيجة لتمكنهم خلال السنوات الماضية من السيطرة علي الإعلام في مصر وعلي كبار المسئولين ، وتمكنهم من توطيد علاقاتهم بكل الدول الكبري لاسيما المعادية للإسلام والمسلمين .
لم يتوقف الأقباط عن الحديث عن التطرف الإسلامي داخل مصر وخارجها في كل بقعة من بقاع العالم رغم أن مشاكلهم محدودة للغاية في مصر ، بينما لم نتطرق نحن المسلمون لتطرف الأقباط رغم أنهم شاركوا في انقلاب دموي ودعموا قتل إخوانهم المسلمين ، ولم تتوقف جولاتهم في الغرب يوما واحدا للحصول علي دعم غربي مستمر للانقلاب وجرائمه ولم توقفهم دماء إخوانهم في مصر عن دعم الانقلاب ولم يمنعهم عن هذا الدعم المعتقلات التي امتلأت بالمظلومين من خيرة أبناء مصر وبناتها ، لم يمنعهم تعذيب الإنسان الذي كرمه الله عز وجل علي العالمين .
هكذا يتضح لنا أن خيار الأقباط لم يكن أبدا التحالف مع إخوانهم المسلمين وتحقيق توافق شعبي دائم يزداد قوة مع الزمن ، كان خيارهم دائما أن يستعينوا علي إخوانهم المسلمين بحليف قوي يستطيع أن يخضع لهم الأغلبية ، تحالفوا مع الفرنسيين وتحالفوا مع الإنجليز ، وحين رحل أولئك وهؤلاء تحالفوا مع العسكر تحت رعاية الغرب للطرفين معا ، وظل هذا التحالف مستمر منذ عام 1952م ونكل الطرفان بكل مصري يقف في طريقهما لاسيما التيار الإسلامي وعلي رأسه الإخوان المسلمين ، وعندما نجحت الثورة في الإطاحة بمبارك عاد الحليفان واستردا حكم العسكر أيضا برعاية وتخطيط غربي .
أختم مقالي بعبارة موجزة " إن الوحدة الوطنية تقتضي صفاء النية " ، أما أن يُخدر الأخ أخيه بمعسول الكلام وهو يدبر له والناس نيام فهذا عواقبه ما يحدث في الدول المحيطة بنا التي نجح الغرب البغيض في إشعال الفتنة بين أديانها وفصائلها وعرقياتها حتي أصبحت خرابا وأطلالا وبيوتا مهدمة كانت في يوم من الأيام كبيوتنا هادئة آمنة مستقرة ، وهذا تحذيري لكل المصريين حتي نصحح اتجاه البوصلة قبل فوات الأوان .
لن تتحقق وحدة وطنية حقيقية حتي يؤمن الأقباط بضرورة التحول الديمقراطي في مصر ، وضرورة أن يكون خيارهم هو التوافق مع باقي الشعب أي إخوانهم من المسلمين وليس الإستعانة علي إخوانهم من الشعب بقوة غاشمة داخلية أو خارجية .
لابد أن يفهم إخواني الأقباط أن تصورهم بأن الديمقراطية سوف تؤدي إلي تحكم المسلمين في مصائرهم أو الإضرار بهم هو تصور ساذج لأنهم ليسوا أقلية بل مصريين ، وليسوا ضعفاء لأن الدولة لا يمكن أن تستقر إلا إذا كانوا راضين عن نظام الحكم ويعيشون في أمن وأمان ولا يُفرض عليهم ما لا يقبلون .
وللأسف الشديد إذا لم يقبل الأقباط هذه النصيحة وصمموا علي الهيمنة علي الأغلبية المسلمة من خلال الإستعانة بقوة العسكر وقوة الغرب وإعلام الإتحاد القبطي العالمي ، فإن المجتمع المصري كله مهدد بمزيد من الإنقسام والكراهية والتي لا يمكن أن يتكهن أحد إلي أين ستأخذ مصر .
إن الوحدة الوطنية تستغيث بكل المصريين فهل من مجيب قبل فوات الأوان ؟.
وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
ليست هناك تعليقات :
إرسال تعليق