الاثنين، 4 يناير 2016

العسكر وإهدار ثروات مصر البترولية .( 9 )

 
الأستاذ / إلهامي الميرغني المستشار الإقتصادي والإداري
(( العسكر وخصخصة قطاع البترول ))
بتاريخ 2014/4/24 نشر المستشار الإقتصادي والإداري الأستاذ / إلهامي الميرغني بحثا في موقع " الحوار المتمدن " عن " خصخصة قطاع البترول " بعنوان " رفع أسعار الغاز الطبيعي في مصر وتخفيض دعم الفقراء جزء من لعبة الرأسمالية الكبري ( 1 ) " يقول فيه :
" فوجئت مثل ملايين المصريين بقرار رئيس الوزراء برفع أسعار استهلاك الغاز الطبيعي المنزلي وهو القرار رقم 636 لسنة 2014 الموقع في 20 إبريل 2014 والمنشور في العدد 16 مكرر من الجريدة الرسمية . وأسعدني رأي أحد المصريين البسطاء وهو يقول " إن قرارات الدعم هتضر الغلابة أكثر من الأغنياء ، بس هما عاوزين يخلصوا قبل انتخابات الرياسة ، علشان لما السيسي يستلم يشيل رئيس الوزارة كأنه هو السبب وتستمر القرارات ". وما لم يعرفه صديقي أن هناك فيديو مسرب يتحدث فيه المشير السيسي عن تحويل الدعم العيني إلي دعم نقدي ، لذلك حاولت البحث فيما خلف القرار ، دوافعه وأسبابه.
- لم يكتشف الغاز الطبيعي بكميات تصلح للاستغلال التجاري إلا في عام 1967 حين اكتُشِفَ حقل أبو ماضي في وسط الدلتا الذي كان بداية الاستكشافات الكبرى للغاز الطبيعي في مصر، وتبعه اكتشاف حقل أبى قير البحري في البحر المتوسط في عام 1969 وهو أول حقل بحري للغاز الطبيعي في مصر ثم حقل أبى الغراديق في الصحراء الغربية في عام 1971، وأدت النتائج المُشجِّعة لتلك المرحلة المبكرة لتوسع عمليات البحث في الدلتا والصحراء الغربية وفي مياه البحر المتوسط التي بدأت الاستكشافات الأولية فيها عام 1975، إلا إنه لم تبدأ حملات الاستكشاف المكثفة هناك قبل عام 1995 لتقود للعديد من اكتشافات الغاز التجارية منذ عام 1998 وحتى الآن.
- خلال التسعينات من القرن العشرين والعقد الأول من القرن الواحد والعشرين ، نفذت مصر اكتشافات غاز كبيرة وجديدة ضاعفت احتياطيات الغاز المثبتة لثلاثة أضعاف من 347 مليار متر مكعب في عام 1989إلى 2.2 تريليون متر مكعب من الغاز بحلول عام 2010. ويوجد ما يقرب من 81% من الاحتياطيات في البحر المتوسط ، و6% في خليج السويس و11% في الصحراء الغربية و2% في دلتا النيل . وأدى الارتفاع في احتياطيات الغاز بالحكومة إلى التشجيع على الاستخدام المحلي للغاز والبحث عن خيارات تصديره في شكل غاز طبيعي مسال وغاز يتم تصديره عن طريق خطوط الأنابيب . ونجحت الحكومة في خلق سوق محلية وبناء ثلاث وحدات نقل للغاز الطبيعي المسال بسعة 17 مليار متر مكعب/ سنة وتنفيذ نظام خط أنابيب الغاز العربي بقدرة تقريبية تصل إلى 10 مليار متر مكعب/ سنة. ولكن تقلصت إمدادات الغاز خلال العامين الماضيين ولم تكن متماشية مع الطلب المحلي المتزايد وخاصة من جانب قطاع الطاقة . ولذلك قامت مصر بخفض حصتها من صادرات الغاز وذلك لتلبية الطلب المتزايد وقامت بإعادة النظر في صادرات الغاز الطبيعي المسال على الأجلين القصير والمتوسط، وتعمل على تحفيز المزيد من استكشاف وإنتاج الغاز.
- تمتلك مصر حوالي 1% من الاحتياطي العالمي ، وتضم ثاني أكبر احتياطيات محتملة للغاز الطبيعي بالمياه العميقة في العالم بعد خليج المكسيك تصل لحوالي 70 تريليون قدم مكعب ، وانتهت عام 2010 خطة إضافة 30 تريليون قدم مكعب إلى احتياطيات الغاز الطبيعي في مصر باستثمارات 10 مليارات دولار . وطبقاً لأرقام عام 2005 فإن مصر هي الدولة رقم 18 بين 102 دولة لديها احتياطات مؤكدة من الغاز الطبيعي ، وتضم حوالي 1% من الاحتياطي العالمي .
- يكفى الاحتياطي الحالي لمدة 34 عاماً فقط للاستهلاك والتصدير طبقاً لمعدلات الاستهلاك الحالية.
- يعد قطاع الطاقة هو أكبر مستهلك للغاز (57%) ، يليه القطاع الصناعي – الأسمدة والاسمنت والحديد والصلب وغيرها (28%) وقطاع النفط والبتروكيماويات (11%) وقطاع الاستهلاك السكني والسيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي المضغوط (4 %).
- إذا رغم كل الجلبة التي أثارها قرار رئيس مجلس الوزراء فإن الاستهلاك المنزلي لا يمثل سوي 4% فقط من استهلاك الطاقة ، والقرار الأخير لن يوفر إلا 800 مليون جنيه من إجمالي الدعم الذي بلغ 160.1 مليار جنيه في موازنة 2013/2014 أي حوالي نصف في المائة من إجمالي الدعم . بينما بلغ دعم الطاقة 99.5 مليار جنيه لا تمثل قيمة الدعم الذي سيتم توفيره سوي 0.8% . بينما سترتفع أسعار المأكولات في المطاعم الشعبية والراقية والمقاهي . وبما يعكس أن مضاعف هذه القيمة سيتحملها محدودي الدخل بينما لم يمس دعم المصانع الكبيرة وبما يعكس الانحياز الاجتماعي الواضح لحكومة محلب.
- نظرا للنمو السريع لقطاع الطاقة وسياسة التحول من النفط إلى الغاز لتوليد الطاقة ، ازداد استهلاك الغاز من قبل قطاع الطاقة من 5 مليار متر مكعب في عام 1991 إلى 24 مليار متر مكعب في عام 2011. ومن المتوقع أن يصل إلى حوالي 50 مليار متر مكعب بحلول عام 2017 . ( من نص وثيقة معلومات مشروع قرض البنك الدولي لتوصيل الغاز الطبيعي إلى المنازل – مصر (P146007) - رقم التقرير: PIDC2490).
البحث والتنقيب
نتيجة لارتفاع تكلفة البحث والتنقيب لتصل إلي عدة ملايين تعجز الدول عن توفيرها فتضطر للجوء إلي الشركات الدولية لتفعل ذلك مقابل حصة من البترول أو الغاز الذي يتم اكتشافه.
- كانت حقول الغاز الطبيعي في مصر تُسلَّم للحكومة المصرية بدون مقابل ، ولما بدأ استخدام الغاز الطبيعي كوقود في السوق المحلية وبعد ارتفاع أسعار البترول العالمية نتيجة للثورة الإيرانية ، قام قطاع البترول المصري في عام 1980 بإدخال بند جديد في الاتفاقيات المُبرَمة مع شركات الإنتاج الأجنبية تحصل بمقتضاها على بعض المميزات المادية مقابل تسليم تلك الحقول تعويضاً عن تكاليف الاستكشاف سميت بالحافز.
- عام 1987 تم زيادة تلك المميزات ليصير نصيب الشريك الأجنبي في حقول الغاز مثل نصيبه في حقول البترول مع التزام قطاع البترول المصري بشراء هذا النصيب بسعر يعادل سعر المازوت - بديل استخدام الغاز - لتشجيع الاستثمارات الجديدة في البحث والتنقيب بعد انهيار أسعار البترول العالمية.
- عام 1994 تم تعديل الاتفاقيات وزيادة سعر شراء نصيب الشريك الأجنبي ليعادل سعر " خليط زيت السويس " بدلاً من المازوت مما جذب العديد من الشركات العالمية للتنقيب في المياه العميقة خاصةً الذي يتطلب استثمارات كبيرة مما أدى لزيادة كبيرة في الاحتياطيات.
- عام 2000 تم عمل اتفاقية لتعديل سعر الغاز بحيث يضع حداً أقصى لسعر الغاز الطبيعي الذي يحصل عليه الشريك الأجنبي 2.65 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية مهما ارتفعت أسعار البترول الخام .( مليون وحدة حرارية بريطانية (mmBTU) تعادل 4و26 متر مكعب غاز)
يوجد في مصر أكثر من 53 شركة حاصلة علي امتياز البحث والتنقيب في عدة مناطق باتفاقيات مع الشركة القابضة للغازات الطبيعية وهيئة البترول والوزارة ومنها :
1- الفرنسية للغاز 2 - إني – الإيطالية .
3 - المملكة المتحدة للزيت والغاز المحدودة 4 - مجموعة طاقة العربية .
5- البريطانية للغاز 6 - (شركة) فيرونا – الإيطالية .
7- المصرية الكويتية القابضة 8- ميد كاريير .
9- يونيون غاز 10- ايجوسكو .
10- المملكة المتحدة للزيت والغاز المحدودة وهي رأس مال مشترك ( 55% , فيرونا (شركة)|فيرونا - الإيطالية : 5% , مستثمرين مصريين : 40%) .
لذلك يخضع استخراج الغاز الطبيعي في مصر لسيطرة الشركات الدولية الكبري.
بذلك تقوم الشركات بالتنقيب عن الغاز وتحصل علي حصة من الإنتاج مقابل البحث والتنقيب وتبيع هذه الحصة لمصر مرة أخري . هذا جزء من دور الشركات الدولية للغاز في مصر .
تفكيك قطاع الغاز وخطط الخصخصة
بدأت خطوات خصخصة قطاع البترول مبكراً منذ صدور القانون رقم 11 لسنة 1979 والذي سمح بفصل موازنات الهيئات الاقتصادية وشركات القطاع العام عن بقية الموازنة العامة للدولة بحجة إتاحة الفرصة لهذه الهيئات الاقتصادية والشركات الحكومية للعمل بحرية وفقاً لآليات السوق ومعايير الأداء الاقتصادي السليم بعيداً عن اللوائح والقيود الحكومية .
( عبدالخالق فاروق – المسكوت عنه في الموازنة العامة – المصري اليوم – 19-2-2011).
بذلك خرجت الهيئة المصرية العامة للبترول من مظلة موازنة الدولة بدعوي المرونة ولكنها كانت الخطوة الأولي علي طريق الخصخصة .
بعدها بدأت الخطوة الثانية بتحويل الهيئات العامة إلي شركات كما حدث مع هيئة كهرباء مصر وهيئة المواصلات السلكية واللاسلكية وغيرها من الهيئات العامة التي تحولت إلي شركات ، وأصبحت الهيئة العامة للبترول تضم 12 شركة قطاع عام إضافة إلي 59 شركة بالشراكة مع شركات بترول أجنبية.
الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية ( إيجاس ) ، هي شركة قابضة مصرية تأسست عام 2001 بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 1009 لسنة 2001 وفقا لقانون شركات قطاع الأعمال العام رقم 203 لعام 1991 لكي تكون الكيان المسئول عن أنشطة الغاز الطبيعي في مصر ، والتي تختص بالعمل وتنظيم أنشطة موارد الغاز الطبيعي في مصر ، وجاء ضمن مواد قرار إنشاء الشركة :
مـــادة 9:
يحـــدد رأس مـــال الشركة المرخص بـــه بمبلـــغ 400 مليـــون جنيـــة ، وحـــدد رأس مال الشركة المصدر بمبلــغ 100 مليــون جنيــة موزعــه علــى مليــون ســهم أسمى تكــون القيمة اﻹســمية للسهم مائــة جنية تكتتب فيه الهيئة المصرية العامة للبترول بالكامل .
مــادة 10:
يقســم رأســمال الشركة المذكورة إلي أســهم متســاوية القيمة وﻻ يجــوز تداولها إﻻ فيمــا بــين اﻷشخاص اﻻعتبارية العامة .
مادة 11:
تعد أموال الشركة من اﻷموال المملوكة للدولة ملكية خاصة وتلتزم الشركة بسداد مـا يتقـرر توزيعه من أرباح سنويا إلي وزارة المالية.
رغم أن الشركة أحد الكيانات الخمس الكبرى في قطاع البترول المصري خصوصاً ، وفي وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية بشكل عام , وتعد ذراع الدولة المصرية للتعامل مع أنشطة واتفاقيات الغاز الطبيعي مع الشركات المصرية والعربية والعالمية.
رغم أن البداية هي ملكية كاملة  للدولة لهيئة البترول إلا أنها تعامل كأموال خاصة للدولة لكي لا تخضع لرقابة المال العام ولكي تحرر تعاقداتها من الرقابة . وهو ما جعل من تعاقدات الشركة بوابة كبري للفساد علي مدي السنوات الماضية.
بدأت بعد ذلك الخطوة الثانية في مسلسل الخصخصة والتبعية من خلال طريقتين :
الأولي : إنشاء شركات جديدة برأس مال هيئات وشركات عامة ولكنها تنشأ كشركات خاصة .
الثاني : دخول الشركة القابضة في شراكات مع شركات أجنبية وإنشاء شركات جديدة تتمتع بمزايا رأس المال الأجنبي وضمانات وحوافز الاستثمار رغم أن أساس عملها أموال دولة مملوكة للمواطنين المصريين.
يتبع الشركة القابضة للغاز الطبيعي 44 شركة تابعة منها 14 شركة للتنقيب والإنتاج ، 16 شركة للتوزيع ، 6 شركات غاز طبيعي مضغوط و 3 شركات خدمات.
بذلك تحول المال العام إلي مال خاص وخرجت الشركة من موازنة الدولة ودخلت في شركات وتعاقدات شابها الكثير من الفساد في ظل غياب لرقابة الدولة .
هذه هي الحلقة الأولي من سلسلة الفساد في قطاع البترول والغاز الطبيعي .
إلهامي الميرغني
24/4/2014

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق