الأحد، 3 يناير 2016

العسكر وإهدار ثروات مصر البترولية . ( 5 )

 
اللواء/ عمر سليمان مدير صفقة تصدير الغاز لإسرائيل مع ليفني وزير خارجية إسرائيل السابقة
(( العسكر يتخلصون من حكم منع تصدير الغاز لإسرائيل ))
 
أثبتت محكمة القضاء الإداري بالقاهرة في حكمها الذي أوقفت به تصدير الغازلإسرائيل - أثبتت حجم الغضب الشعبي من تصدير الغاز لإسرائيل ، كما قدم نواب الشعب في برلمان الثورة الأول ( 2010/2005 ) العديد من الاستجوابات للحكومة لذات السبب كان لي شرف تقديم أحدها ، فهل تراجع العسكر عن تصدير الغاز لإسرائيل ؟ هل رضخوا لإرادة الشعب أم تمسكوا بطريق السلب والنهب الذي هو دأبهم منذ ستيعن عام ؟
نشرت صحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 2009/4/1 خبرا تحت عنوان"الأمور المستعجلة توقف حكم منع تصدير الغاز لإسرائيل" قالت فيه :
" أوقفت محكمة الأمور المستعجلة فى القاهرة أمس ، تنفيذ حكم محكمة القضاء الإدارى بوقف تصدير الغاز إلى إسرائيل ، وقالت فى حيثيات الحكم إن اتفاقية تصدير الغاز من أعمال السيادة المطلقة للدولة ، ولا يجوز للمحكمة أو مجلس الدولة التعقيب عليها . صدر الحكم برئاسة المستشار خالد الحادى ، وأمانة سر عريان تامر".
سلوك دائم للعسكر لوقف أحكام مجلس الدولة التي لا تسير علي هواهم ، يتوجهون إلي دائرة الأمور المستعجلة والتي تتشكل من قاضي واحد جزئي أي في مقتبل حياته القضائية ليحصلون منه علي حكم بوقف تنفيذ ما يشاءون من أحكام ، وبالطبع هو إجراء معدوم لأن دائرة الأمور المستعجلة لا تختص بنظر وقف تنفيذ أحكام مجلس الدولة ، ولكنه حكم العسكر الذي يفعلون ما يشاءون في مصر .
لم يكتف العسكر بهذا ولكنهم لجأوا إلي المحكمة الإدارية العليا بطعن طلبوا فيه إلغاء  حكم محكمة القضاء الإداري الذي قضي بإلغاء قرار تصدير الغاز لإسرائيل ، وبالفعل أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكمها في الطعنين رقمي 5546 و6013 لسنة 55 القضائية عليا علي النحو التالي :
حكمت المحكمة :
 بقبول الطعنين رقمي 5546 و 6013 لسنة 55 ق عليا شكلا ، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا :
أولا : بعدم الاختصاص القضائي بنظر الطعن علي قرار الحكومة المصرية بتصدير الغاز لإسرائيل باعتبار ذلك من أعمال السيادة والأمن القومي المصري .
ثانيا : بقبول الدعوي شكلا ، وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم تضمينه آلية لمراجعة دورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد بما يحقق الصالح المصري وضمانا لتوفير الاحتياجات المحلية ، مع وجوب مراجعة الحدين الأدني والأعلي للأسعار بصفة دورية بما يتفق وتطورات أسعار السوق العالمي ووجوب إلغاء ربط سقف السعر بحد 3,5 دولار لسعر خام برنت لمخالفة ذلك للتوازن الاقتصادي بين الطرفين مع ما يترتب علي ذلك من آثار ، وألزمت الجهة الإدارية والمتدخلين انضماميا إلي جانبها المصروفات .

وفيما يتعلق بقضاء المحكمة الإدارية العليا برفض طلب وقف التصدير بإعتباره من أعمال السيادة فقد أسسته المحكمة بقولها :
(( ومن حيث إنه عن الدفعين بعدم اختصاص المحاكم عموماً بنظر النزاع , وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظره , فإن الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها يشيدون هذين الدفعين بصفة أساسية على أن النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة , وبعقد تجارى دولى خاص , على اعتبار أن التعامل محل النزاع تفرضه معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 فى الفقرة (3) من المادة الأولى من المعاهدة والمادة الثانية من الملحق (3) بشأن العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الطرفين , وأن مجلس الشعب قد وافق على تلك المعاهدة وأصبحت قانوناً ملزماً لجمهورية مصر وكذلك على اعتبار أن شركة البحر الأبيض المتوسط شركة تسويق غاز مصرية منشأة وفقاً لأحكام قوانين الشركات المصرية وهى أحد أشخاص القانون الخاص ( طرف بائع ) وشركة كهرباء إسرائيل إحدى شركات القطاع الخاص بإسرائيل ( مشترى ) وأن ما تم بيع بين الشركتين هو عقد تجارى دولى خاص لا يخضع لرقابة أو الاختصاص الولائى لمحاكم مجلس الدولة .
ومن حيث إن هذين الدفعين الأساسين ظاهرا التهاتر , إذ بينما تسوق الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها أن النزاع يتعلق بعمل من أعمال السيادة وصولاً لإخراج النزاع عن رقابة القضاء بصفة عامة تعود مذكرات الطاعنين لتفصٍّل فى أسانيد اعتبار النزاع متعلقاً بعقد بيع تجارى دولى خاص لينحسر عنه اختصاص محاكم مجلس الدولة .
كذلك فإن الدفعين مردودان بما هو مستقر عليه من أن أعمال السيادة استثناء يمثل خروجاً على مبدأ المشروعية ويخضع لقاعدة التفسير الضيق وعدم القياس , وبالتالى فإن القائمة القضائية لما يعد من قبيل هذه الأعمال يسير فى اتجاه مضاد لاتساع دائرة الحقوق والحريات العامة , ومن جانب آخر فإن شمول عملية مركبة تقوم بها السلطة التنفيذية لعمل من أعمال السيادة لا يسبغ حصانة على ما قد يتصل بها من أعمال هى بطبيعتها من قبيل القرارات الإدارية التى تظل خاضعة لرقابة قاضى المشروعية , ولذلك حرصت المادة (17) من قانون السلطة القضائية على النص على أن " تعتبر أعمال السـيادة أعمالاً سياسية من شأن السلطة العليا للـدولة " , كما استقر القضاء الإدارى على تطبيق نظرية القـرارات القـابلة للانفصال عن هذه العمليات المشـتملة على عمل سيادى ومنها ما يخص العلاقات الدولية , " mesure détachable de la conduite des relations internationales "
إذ لا تشكل هذه القرارات أعمال سيادة ينحسر عنها اختصاص القضاء الإدارى .
" Elle ne constitue pas , par suite , un acte de gouvernement qui échapperait à la compétence de la juridiction administrative "        
( حكم مجلس الدولة الفرنسى فى الدعاوى أرقام / 201061 و 201063 و 201137 بجلسة 20/10/2000 ) .
ولذلك أشارت المحكمة الدستورية العليا منذ سنوات عديدة إلى أن أعمال السيادة " المرد فى تحديدها للقضاء "  من ذلك حكمها فى الدعوى رقم 5 لسنة 5 ق دستورية , وفى الدعوى رقم 3 لسنة 1 ق دستورية بجلسة 25/7/1983 .
وتطبيقا لما تقدم جميعه ولما كان البين من مطالعة صحف الطعون ومذكرات الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها أنه فى إطار معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية المبرمة عام 1979 لم تمانع السلطة السياسية العليا بالدولة المصرية تحقيقا للالتزامات المتبادلة بين الطرفين من إمكانية تصدير الغاز الطبيعى الزائد عن حاجة الشعب المصرى للطرف الثانى فى هذه المعاهدة , وكذلك تحقيقاً للمصالح العليا فى تصدير هذه السلعة الاستراتيجية لدول شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا , ولما كانت هذه الموافقة من حيث المبدأ على التصدير تعد صادرة من السلطة التنفيذية بوصفها سلطة حكم لتنظيم علاقاتها الدولية فإن صفة عمل السيادة لا تلحق إلا بهذه الموافقة من حيث مبدأ التصدير , أما ما صدر عن مجلس الوزراء بتاريخ 2000/9/18 ثم قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 بالتفويض فى إجراءات التعاقد مع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط لتصدير الغاز الطبيعى مع الشركات الواقعة فى منطقة البحر المتوسط وأوروبا بما فيها شركة كهرباء إسرائيل فقد صدرا من سلطة وطنية ووفقاً للتشريعات المصرية , ومن ثم فهما يشكلان قرارين إداريين قابلين للانفصال عن عمل السيادة المشار إليه , ويخضعان بالتالى للرقابة القضائية لمحاكم مجلس الدولة دون أن يغير من ذلك استناد الجهة الإدارية والمتدخلين إلى جانبها إلى المادة (156 ) من الدستور , إذ فضلاً عن أن الإجراء موضوع النزاع قد صدر عن مجلس الوزراء منفرداً ودون مشاركة من رئيس الجمهورية فإنه ليس كل ما يصدر استناداً إلى هذه المادة يعد تلقائياً عملاً من أعمال السيادة إنما يلزم إعمال الضوابط سالفة الذكر لتحديد ما يعد منها عملاً من أعمال السيادة وما يصدر من قرارات إدارية تنفيذية له.
ومن حيث إنه فيما يخص اعتبار النزاع متعلقاً بعقد تجارى دولى خاص , فضلا عن تهاتره مع السند الأول فى الدفع بعدم الاختصاص كما سبق البيان , فقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا على أن الاتفاقيات الدولية التى تتمحض عن أعمال تجارية تخضع لرقابة القضاء لعدم اعتبارها أعمال سيادة تنحسر عنها الرقابة القضائية , وذلك حتى ولو استلزمت المادة 151 من الدستور عرضها على مجلس الشعب , على اعتبار أن أعمال السيادة تحددها طبيعة العمل وليست طريقة إبرامه أو التصديق عليه ، من ذلك حكمها فى القضية رقم 10 لسنة 14 ق . دستورية بجلسة 1993/6/19 .
وغنى عن البيان أنه طالما قد فرض المشرع رقابة لجهة الإدارة على ما يبرمه أشخاص القانون الخاص من عقود تتعلق فى التصرف فى ثروات البلاد خاصة الإستراتيجية ومنها البترول والغاز الطبيعى , وذلك بموجب التشريعات الحاكمة لذلك , والتى من بينها بصفة خاصة القوانين الصادرة بالترخيص فى التعاقد للبحث عن الغاز واستغلاله , فإن ما يصدر من جهة الإدارة فى هذا الإطار – ومن بينها القرار المطعون فيه يجسد مظهراً من مظاهر السلطة العامة المتمثلة فيما خوله القانون لجهة الإدارة من سلطة رقابية , ويعد بالتالى قراراً إدارياً قابلاً للطعن عليه بدعوى الإلغاء , وحتى ولو كان هذا القرار أساسا لإبرام جهة الإدارة أو غيرها عقدا وبغض النظر عن الطبيعة القانونية للتعاقد , ومن قبيل ذلك القرار المطعون فيه الذى يرخص ببيع الغاز , إذ يعد هذا القرار – وطبقا لما استقر عليه القضاء الإدارى – قراراً إدارياً قابلاً للانفصال عن العقد .
ومن حيث إن محاكم مجلس الدولة هى صاحبة الولاية العامة بنظر المنازعات الإدارية وهى قـاضيها الطبيعى وفقاً لأحكام المادة (172) من الدستور التى تنص على أن " مجلس الدولة هيئة قضائية مستقلة تختص بالفصل فى المنازعات الإدارية والدعاوى التأديبية " وكذلك وفقاً لأحكام المادة العاشرة ( خامساً ورابع عشر ) من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972 وتعديلاته التى تنص على أن " تختص محاكم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل فى المسائل الآتية : ... ( خامساً ) الطلبات التى يقدمها الأفراد أو الهيئات بإلغاء القرارات الإدارية النهائية ... ( رابع عشر ) سائر المنازعات الإدارية ... " , وقد استقرت على ذلك أحكام هذه المحكمة والمحكمة الدستورية العليا التى أكدت الولاية العامة لمحاكم مجلس الدولة باعتباره القاضى الطبيعى لكافة المنازعات الإدارية , وأن " إيلاء الاختصاص بنظر المنازعات الإدارية إلى المحكمة الابتدائية خصماً من الاختصاص المعقود لمحاكم مجلس الدولة دستورياً ينبغى أن تبرره ضرورة ملحة " ( حكمها فى الدعوى رقم 101 لسنة 26 ق . دستورية بجلسة 1/2/2009).
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم , ولما كان الحكم المطعون فيه قد تبنى مذهباً مغايراً , ولم يُعمل التحليل المتقدم وقوفاً على الطبيعة الذاتية لمختلف الإجراءات والقرارات التى شكلت فى مجموعها العملية المركبة لتصدير الغاز الطبيعى بدءًا من موافقة السلطة السياسية على مبدأ التصدير ومروراً بقرار رئيس الهيئة العامة والمناطق الحرة رقم 230 لسنة 2000 بالموافقة على إقامة مشروع شركة شرق البحر الأبيض المتوسط للغاز ( شركة مساهمة مصرية ) وقرار مجلس الوزراء الصادر بجلسة 2000/9/18 وانتهاءً بقرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 الصادر تنفيذاً لذلك بالموافقة على تصدير الغاز لإسرائيل بالكمية والسعر المحددين به ، لذلك يكون الحكم المطعون فيه قد خالف صحيح القانون ، ويضحى واجبا إلغاؤه فيما قضى به باختصاص المحكمة بنظر القرار الأول بالموافقة على مبدأ تصدير الغاز لإسرائيل ، والقضاء مجدداً بعدم اختصاص القضاء عموماً بنظره لكونه عملاً من أعمال السيادة وبالتالي رفض الدفع بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائياً بنظر الطعن على القرار رقم 100 لسنة 2004 وقرار مجلس الوزراء بجلسة 18/9/2000 المشار إليهما فيما تضمناه من تحديد سعر التصدير وكمية الغاز المرخص بتصديره لإسرائيل . 
ومن حيث إنه بناءً على ما تقدم تكون محاكم مجلس الدولة مختصة بنظر الطعن على القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد كمية و سعر تصدير الغاز لإسرائيل وذلك بالنسبة لطلب وقف تنفيذ ثم إلغاء هذا القرار وكذلك بالنسبة للمنازعة التنفيذية موضوع الدعوى الرقيمة 32 لسنة 2008 باعتبارها متفرعة عن المنازعة الأصلية ، وتطبيقاً للقاعدة الأصولية التى تقضى بأن قاضى الموضوع هو قاضى التنفيذ.
أما فيما يتعلق بقضاء الإدارية العليا بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه لعدم تضمينه آلية لمراجعة دورية للكميات والأسعار خلال مدة التعاقد بما يحقق الصالح المصري وضمانا لتوفير الاحتياجات المحلية ، مع وجوب مراجعة الحدين الأدني والأعلي للأسعار بصفة دورية بما يتفق وتطورات أسعار السوق العالمي ووجوب إلغاء ربط سقف السعر بحد 3,5 دولار لسعر خام برنت لمخالفة ذلك للتوازن الاقتصادي بين الطرفين مع ما يترتب علي ذلك من آثار فقد أسسته المحكمة بقولها :
" ومن حيث أنه تطبيقا لما تقدم وبخصوص ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه فإن البادي من طاهر الأوراق أنه حدد كمية الغاز الطبيعي الذي يتم تصديره للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط وأوروبا ب ( 7 ) بليون متر مكعب سنويا ، وتزاد في حالة وجود فائض أي أن الحد الأدني للتصدير ثابت ومحدد بالكمية المذكورة ، وأن زيادتها فقط هي المشورطة بوجود فائض ، كذلك حدد سعر التصدير بحدين أدني ( 75. / دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية ) وحدا أقصي ( 25. دولار أمريكي / مليون وحدة حرارية بريطانية أو ( 1,5) دولار / مليون وحدة حرارية بريطانية في حالة وصول سعر خام برنت  متوسط 3 أشهر  إلي 35 دولار / برميل أو أكثر ) ، أي أن السعر قد تحدد علي نحو ثابت بين هذين الحدين ، ولا مجال لزيادة الحد الأقصي للسعر حتي مع تجاوز سعر خام برنت هذا السقف الذي حدده القرار علي الحو السالف ومهما تضاعف السعر ، وإذ قضي القرار بأن " يكون التعاقد مع شركة شرق البحر المتوسط للغاز لمدة 15 عاما يمكن تجديدها بموافقة الطرفين تكون كمية الغاز الطبيعي المصدر وسعره قد تحدد علي نحو ثابت غير قابل لأي مراجعة في ضوء التطورات الجذرية الممكن حدوثها خلال مدة الخمسة عشر عاما ، وهو ما لا يتفق - بحسب ظاهر الأوراق - مع ما تضمنته التشريعات الحاكمة لاستغلال هذه السلعة الإستراتيجية وبخاصة الشروط الصادر بها قوانين تراخيص البحث عن الغاز واستغلاله بما يتفق مع ما نص عليه صراحة في إتفاقية السلام علي النوح السالف  ، وإذ كان احترام هذه الشروط التي أسبغ عليها المشرع قوة القانون يوجب كحد أدني إيجاد آلية محددة لمراجعة الأسعار والكميات بصفة دورية ، وبما يكفل الإلتزام بالشروط الصادر بها القوانين المشار إليها وتضمن أن يكون التصدير في حدود ما يفيض عن حاجة السوق المحلي ، هذا فضلا عن أن التحديد الثابت للكيمة والسعر قد تم بناء علي دراسات عام 2000م حال كان السعر - كما أكدت كافة الدراسات والمذكرات المقدمة من الطاعنين - مناسبا في حينه ، وأبرمت بناء عليها الاتفاقيات خلال المدة حتي عام 2003 إلا أن الأوراق قد أجدبت عما يفيد ما طرأ علي هذه التقديرات  من تغيرات لاحقة علي عام 2003 وتحديدا في تاريخ صدور قرار وزير البترول رقم 100 لسنة 2004 ، كما أجدبت الأوراق عن أي  تفسير لعدم إعادة العرض علي مجلس الوزراء بعد مرور ما يزيد علي الثلاث سنوات من تاريخ صدور قراره في 2000/9/18 لإعادة بحث أمر سعر تصدير الغاز أو الاحتياجات المقدمة منه مما يضحي القرار المطعون فيه مرجحا الإلغاء ، ويتوافر بالتالي ركن الجدية في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه ........
ومن حيث أنه بناء علي ما تقدم فقد توافر في طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه - فيما تضمنه من تحديد ثابت لكمية وسعر تصدير الغاز الطبيعي المصري للأسواق المستهلكة بمنطقة شرق البحر المتوسط وعلي نحو ثابت خلال خمسة عشر عاما - ركمن الجدية فضلا عن توافر ركن الاستعجال المتمثل في النتائج الخطيرة التي يرتبها تنفيذ القرار المطعون فيه علي عائد الغاز الطبيعي المصري كسلعة استراتيجية وبالتالي تأثيره علي الاقتصاد القومي المصري ومن ثم فقد استقام طلب وقف التنفيذ علي ركنيه من الجدية والاستعجال ، الأمر الذي يتعين معه القضاء بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد حدين ثابتين يترواح بيهما سعر تصدير الغاز الطبيعي وتحديد كمية ثابتة يجري تصديرها بسعر ثابت خلال خمسة عشر عاما علي النحو السالف .
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضي بإلغاء القرار المطعون فيه إلغاءً مجردا ، الأمر الذي يكون معه مخالفا للقانون حريا بالإلغاء والقضاء مجددا في الطعنين  رقمي 5546 و 6013 لسنة 55 ق عليا بقبولها شكلا ، وفي الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحديد ثابت لأسعار تصدير الغاز الطبيعي والكمية المصدرة منه دون مراعاة للاحتياجات المصرية مع ما يترتب علي ذلك من آثار ...إلخ  .

 
والحقيقة أن حكم المحكمة الإدارية العليا يؤخذ عليه العديد من المآخذ :
أولا : بني الحكم قضائه بأن مبدأ التصدير من أعمال السيادة استنادا إلي إتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل ، علما بأن معاهدة كامب ديفيد لا تفرض علي مصر أن تصدر البترول والغاز لإسرائيل ، وإنما تعطي إسرائيل حق دخول المزايدات التي تطرحها مصر لبيع البترول أو الغاز ، ومن ثم فليس هناك إلتزام جبري علي مصر بالبيع حتي تقول المحكمة أن التصدير لإسرائيل عمل من أعمال السيادة .
ثانيا : لم تشر المحكمة الإدارية العليا إلي الفساد الذي اعتري الصفقة من قريب أو بعيد ، ذلك الفساد الذي أثبتته محكمة القضاء الإداري في حكمها ، فهي صفقة سرية تمت بالاتفاق بين رجال المخابرات في مصر ورجال المخابرات في إسرائيل يستخفون فيها بالشعب المصري ويستولون علي ثرواته في جنح الظلام وبالمكر السيئ ، ومن ثم فهي ليست صفقة عادية تتعامل معها المحكمة وكأنها صفقة معيبة لمخالفة بعض الإجراءات القانونية .
ثالثا : لم تشر المحكمة الإدارية العليا إلي مخالفة الصفقة لقانون المناقصات والمزايدات ، عندما قام المجرمون في حق الوطن ببيع الغاز لشركة شرق البحر الأبيض المتوسط دون مزاد وبالإسناد المباشر لكي تبيع ثروة مصر لمن تشاء وبالسعر الذي تشاء ويعود ثمن البيع لها وهي المملوكة للمخابرات العامة المصرية بدلا من عودته للشعب المصري ، وكان طبيعي ألا تشير لذلك لأنها لو فعلت لأيدت حكم محكمة القضاء الإداري بعد أن وجهت الزجر المناسب لمن عقدوا هذه الصفقة من المصريين والإسرائيليين معا ، ولما تمكنت من وصف التصدير لإسرائيل بأنه عمل من عمل من أعمال السيادة .
رابعا : والحقيقة أنه من المؤلم أن تصف المحكمة الإدارية العليا بيع ثروات الدولة ومواردها الطبيعية بأنه عمل سيادي ، وأنا لن أرد عليها وإنما سأكتفي بعرض رد محكمة القضاء الإداري في ذات الحكم ( حكم وقف تصدير الغاز لإسرائيل ) علي الدفع بعدم قبول الدعوي بمقولة أن تصدير الغاز لإسرائيل عمل سيادي ، حيث ردت علي الدفع بقولها .
" ومن حيث أنه عن دفع الحاضر عن جهة الإدارة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى باعتبار أنها تتعلق بعمل من أعمال السيادة فان المادة (11) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 تنص على أن "لا تختص محاكم مجلس الدولة بالنظر فى الطلبات المتعلقة بأعمال السيادة".
ومؤدى ذلك على ما استقر عليه الفقه والقضاء أن أعمال السيادة هي تلك التي تصدر من الحكومة باعتبارها سلطة حكم لا سلطة إدارة فهي تارة تكون أعمالا منظمة لعلاقة الحكومة بمجلسي الشعب والشورى أو منظمة للعلاقات السياسية بالدول الأجنبية وهى طورا تكون تدابير تتخذ للدفاع عن الأمن العام من اضطراب داخلي أو لتأمين سلامة الدولة من عدو خارجي .
وأعمال السيادة بهذا المفهوم .... و التي تتصل اتصالا وثيقا بنظام الدولة وسيادتها فى الداخل و الخارج – لا تمتد إليها رقابة القضاء ، أما غير ذلك من القرارات الإدارية أو الأعمال التي تمارسها الحكومة بوصفها سلطة إدارية فإنها تخضع لرقابة القضاء الإداري طبقاً لأحكام الدستور والقانون باعتباره صاحب الولاية العامة والقاضي الطبيعي المختص بنظر الطعون فى القرارات الإدارية النهائية سلبية كانت أو ايجابية.
وغنى عن البيان أن للقضاء سلطة تقرير الوصف القانوني للعمل المطروح عليه وما إذا كان يعد عملاً إدارياً عادياً يختص بنظره أو عملا من أعمال السيادة يمتنع عليه النظر فيه.
ومن حيث أنه لما كان ما تقدم و كان الثابت بالأوراق أن المنازعة الماثلة تدور حول سلطة الإدارة فى تنظيم وإدارة واستغلال موارد الدولة وأحد ثرواتها الطبيعية والتصرف فيها وقد اختصمها المدعى كسلطة إدارية تقوم على هذا المرفق وينبغي عليها أن تلتزم فى ذلك حدود الدستور و القانون وضوابطهما ، وهذا من جانب جهة الإدارة يعد من صميم وظائفها الإدارية ومن الأعمال التنفيذية التي تمارسها الحكومة بوصفها سلطة إدارية ، ومن ثم فلا يعد تصرفها فى هذه الحالة ولا القرار الصادر بشأنه من أعمال السيادة بالمعنى القانوني والدستوري ، وإنما يعتبر من قبيل أعمال الإدارة التي يقوم على ولاية الفصل فيها القاضي الإداري دون سواه طبقا لنص المادة (172) من الدستور.
ومتى كان ذلك فإن للمحكمة أن تبسط رقابتها على القرار المطعون فيه و يضحى الدفع المبدى بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى – فى هذه الحالة – فى غير محله متعينا رفضه ".
خامسا : ومن المؤسف أيضا أن الأثر المترتب علي حكم الإدارية العليا هو أن تقوم المخابرات العامة المصرية بالإتفاق مع المخابرات الإسرائيلية برفع سعر الغاز دراهم معدودة ليعود تصدير الغاز المصري لإسرائيل من جديد ويحرم المواطن المصري من ثرواته حتي ترضي عنا إسرائيل ، وحتي ترضي عنا المخابرات العامة المصرية ، وأن تستمر شركة شرق البحر المتوسط المملوكة للمخابرات العامة في تبديد ثروات مصر ومواردها الطبيعية بعد أن منحها العسكر حق بيع الغاز المصري لأي دولة ، وبعد أن منحوها امتياز شراء الغاز بالأمر المباشر بالسعر الذي يقرره السادة ضباط المخابرات والذي يحقق مصالحهم الخاصة .
لقد أثبتت الأيام أن الحاكم المستبد لا يغلب وأن له أذرعه السحرية التي يمرر بها ما يشاء ، تلك الأذرع التي تجعل كافة سلطات الدولة في يده بحيث يصبح الحاكم المستبد لا راد لقراره ، والله المستعان لإنهاء حقبة حكم العسكر في مصر قبل أن تفني الدولة ويفني أهلها .

وكيل لجنة الشئون الدستورية والتشريعية ببرلمان الثورة .
 
 

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق